بيرون، ولكنها على اتفاقها في هذه الظاهرة يختلفان في التعرض لها والتأثر بعض الاختلاف، سواء كان ذلك في مجال الشعور أو معرض التعبير. . وهنا كما كان هناك، يلتقي الشاعران في الغاية ولكنهما يفترقان في خط السير نحو هذه الغاية حيث يمضي كل منهما في طريق!
ارجع في باب (الدراسة الفنية) لشعر علي طه أي قصيدة (الله والشاعر)، لترى أننا قد سجلنا حول تلك القصيدة هذه الكمان. . (هذه الواقعية النفسية الوجودية التي تسير فيها لفتة الفكر جنبا إلى جنب مع خفقة القلب، هي التي تطالعنا من قصيدة (الله والشاعر). . وهي واقعية تمثل القسط المشترك من الحقائق الكبرى المتبادلة تبادل كوني بين الله والإنسان، وهي حقائق أشبه بالرواسب الفكرية والنفسية المتخلفة في قرار الذهن البشري وبأقدم العصور؛ منذ أن بدأ الركب الإنساني يفكر في واقع هذا السير الطويل في طريق الحياة، ويناقش علة وجوده وغاية بقائه وما بعد فنائه، هناك حيث ينتظره الجزاء الحق أو غير الحق ممثلا في عالمي الثواب والعقاب. . ونقول الجزاء الحق أو غير الحق، ما دامت هناك صيحتان تؤمن إحداهما بأن الإنسان لا يملك أمام القوة العليا شيئا من أمر نفسه ولا من أمر دنياه، وإنما هو يدفع فيندفع ويوجه فيتجه ويسير فيسير، وأنه تبعا لهذه القدرة المسلوبة والحرية المفقودة لا ينبغي أن يجزي على سيئاته إذا أساء، فإن جزى عليها فهو جزاء غير عادل! أيمان بهذا كله تفصح عنه هذه الصيحة التي تقابلها صيحة أخرى عمادها أيمان أخر، هو أن الإنسان يملك أمام القوة العليا كثيرا من أمر نفسه ومن آمر دنياه، فهو قابض على الزمام لا يفلته إلا برغبته، مبصر للطريق لا ينحرف عنه إلا بإرادته، عليم بالحقائق لا يحيد عنها إلا بمحض هواه؛ فهو مخير تركت له الحرية فإذا أساء فهمها فعليه أن يتقبل ما أعد له من جزاء، وإنه لجزاء يتسم بالحق ويتصف بالحق ويقترن بالأنصاف!
وإذا أنت بحثت عن مكان علي طه بين أصحاب الصيحتين الخالدتين فإن مكانه هناك مع الفريق الأول. . هو معهم في اتفاق النظرة واتجاه الفكرة ولكنه يفترق عنهم في احتفاظه بإيمانه الذي لا يودي به كل تلك العواصف والأعاصير. إنه يتناول هذه القضية الوجودية الكبرى من زاويتين الأولى ليدافع عن الكيان الإنساني أمام سطوة القدر وحكمة القضاء، مستخدما في دفاعه منطق الشاعر الفيلسوف الذي يعرض المقدمات عرضا شعريا ترتضيه