النفس يخرج منها بنتائج فلسفية يرتضيها الفكر. الثانية ليعبر عن حريته البالغة وحيرة القافلة الإنسانية وهي تتخبط في صحراء الوجود تلتمس الظل الظليل في رحاب الواحة الإلهية، فرارا من وطأة القيظ ولفح الهجير! وهو بعد ذلك متأرجح بين البث والشكاءة، وبين الأنين والحنين وبين العذاب المهذب والخضوع العميق. . وهو أخر الأمر معذب لا يدري أين يستقر ولا إلى أي وجه تمضي به قدماه. . خطوة يأس تقذف به إلى الخلف وخطوة أمل تدفع به إلى الأمام، ولكنه في غمرة تلك التيارات النفسية المتباينة ضارع مبتهل لا يشك أبدا في رحمة الله)!
هذه الأفكار والمشاعر التي طاف حولها عقل شاعرنا وعقله هي في حقيقتها أثر من آثار ذلك الجو الرومانسي الذي عاش فيه؛ وهي نتيجة مباشرة لظروف الوحدة النفسية والعزلة الروحية والانفراد الذاتي كما بعهدها في حياة الرومانسيين، هنا حيث يدفع الإنسان دفعا إلى إطالة التأمل فيما حوله من حقائق الكون وغاية الوجود ومصير الركب الإنساني بعد انتهاء الحياة؛ ومثل هذا التأمل لا بد آن يفضي بصاحبه آخر الآمر إلى التعرض لموقفه وموقف الإنسانية جمعاء إزاء الخالق العظيم، هكذا فعل علي طه في قصيدة (الله والشاعر) وهكذا فعل بيرون في مسرحية قابيل. . إن شخصية قابل في تلك المسرحية الشعرية ما هي إلا إحدى شخصيات بيرون التي كان يصور معالمها بصدق وأصالة ليعبر بها عن حالة خاصة من حالات نفسه وهي معرضة لهزات الوجود! اتفاق والتقاء، ولكن خط السير هنا مختلف كما قلت بعض الاختلاف عن خط السير هناك، لأن هذه الشخصية (البيرونية) في مسرحية (قابيل) ثائرة على الخالق ساخطة على القدر متمردة على السماء، تريد أن تبري الإنسان من كل شر وفساد عرفتهما الأرض، ومحاولة إن ترد كليهما إلى تلك القوة العليا التي تسيطر على الكون وتوجهه إلى مصير معلوم تحاول هذا ثم تدفعها الثورة العاصفة والعصيان الجامح إلى حد التخيل بأنها (إبليس جديد)، جاء لينتقم للإنسانية المظلومة من خالقها الذي لا تلقى منه غير الظلم والعذاب وهي بعد ذلك تنتظر على يديه ألوان من الحساب والعقاب!
ثورة عند بيرون ينقصها التهذيب ويعوزها التبصر وتتشح بثوب التجديف، وحيرة عند علي طه لتبلغ هذا المدى من التهور والتنكر والاندفاع، لأنها حيرة لا تنتهي بصاحبها إلى