التمرد ورفع راية العصيان، وإنما تنتهي به إلى راحة نفسية مصدرها الخضوع والإذعان!
ولقد قلنا في سياق الحديث عن قصيدة (الله والشاعر) إن تلك القصيدة تمثل الواقعية النفسية خير تمثيل، فكيف يتفق هذا مع القول بأنها من نتاج ذلك الجو الرومانسي الذي قضى فيه علي طه أول العهد بالشباب؟ كيف تجتمع (واقعية) و (رومانسية) في أثر واحد من أثار الفن دون آن يكون هناك شئ من التعارض والتناقض والشذوذ، مصدره أن موازين النقد في أدب الغرب قد وضعت حدود فنية (فاصلة) بين هذين اللونين من ألوان الأدب؟ سؤال مقصود لأن الجواب عنه كذلك مقصود، ومن وراء السؤال والجواب نهدف إلى الكشف عن حقيقة المشكلة كما ينطق بها الواقع الملموس!
هل قرأت (آلام فرتر) لجيته، و (رفائيل) للامرتين، و (رينيه) لشاتو بريان، و (ادولف) لكونستان؟ هذه القصص الأربعة يضعها النقاد في (خانة) القصة الرومانسية وهم يقسمون ألوان الأدب ومذاهبه تبعاً لما يتسم به هذا الأدب من خصائص ومميزات، يردونها عادة إلى شتى العوامل النفسية التي طبع بها العصر وتركت آثارها في كتابه، بعد اتفاقهم على أن الأدب نتاج مجتمعة وثمرة بيئة المرأة جيله التي تعكس على صفحتها معالم ذلك الجيل. وتبعا لهذا التقسيم الفني الذي انتهى إليه النقد عرف الناس إن هناك أدبا رومانسياً أخر واقعياً في عرف التسمية المذهبية، وإن لم يستطع النقد (واقع الأمر) أن يفصل فصلاً تاماً بين خصائص كل لون من ألوان الأدب وهو في خانته الفنية. . . لم يستطع النقد أن يوفق إلى تلك التفرقة الكاملة لأنه نسى إن بيئة الأدب في عصر من العصور لا يمكن أن تكون (خالصة) لطابع نفسي بعينه، يلقى ظله الخاص على وجه ذلك الأدب دون إن يفسح مكاناً لظل سواه! لو فطنت موازين النقد إلى تلك الحقيقة لما وجدت أبدا من التعديل في وضع الحدود الأخيرة للمصطلحات الفنية وتقدير خط السير لاتجاهات الأدب تقديراً نهائياً لا رجعة فيه! إنك قد تقرأ قصة تمثل اتجاه رومانسياً في عرف النقاد وهي لا تخلوا في بعض مواقفها من اتجاه واقعي هنا أو هناك، ثم لا تجد في هذا شئ من الغرابة إذا ما وضعت نصب عينيك هذه الحقيقة المادية، وهي أن عصر من العصور ينتج فناً من فنون الأدب لا يمكن أن يتسم بسمة شعورية واحدة تترك آثارها التعبيرية الواحدة التي تندرج في جملتها تحت عنوان! هل نريد بذلك أن نلغي تلك المصطلحات الفنية التي اتفق عليها النقاد الأدب