محددين بها اتجاهاته ومراميه كلا. . وإنما نريد أن نصحح وضعا هو على التحقيق يحتاج إلى تصحيح، عندما نقرر مطمئنين أن تلك التحديات المذهبية يعوزها شئ من التعديل، عماده أننا إذا قلنا عن طابع عصر من العصور أنه رومانسي فيجب أن يفهم أننا نعنى الطابع الغالب لا الطابع العام، ونقصد المظهر البارز لا المظهر الشامل، ونشير إلى السمات الرئيسية لا السمات الكلية؛ وفي ضوء هذا التحديد يجب آن ينظر إلى ما كتبناه عن (طابع العصر) الذي قضى فيه علي طه أول العهد بالشباب!
ونعود مرة أخرى إلى تلك القصص الرومانسية الأربع في ضوء هذا التحديد؛ نعود إليها لنقرر أيضا في خانة الواقعية دون أن يكون شئ من التناقض والشذوذ. . هي (رومانسية) إذا نسبت إلى الجو النفسي القاتم الذي كتبت فيه أو إلى الخصائص الفنية التي اصطلح عليها النقد وهي (واقعية) إذا نسبت إلى واقع الحياة التي كان يحياها أصحابها في ذلك الحين؛ الحياة الذاتية التي تسجل حقيقتهم الإنسانية والتي قد تنطبق على غيرهم من الناس. أليس هذا هو واقعهم النفسي في فترة من فترات العمر سجلتها في تلك القصص سطور وكلمات؟ هو كذلك بلا جدال، وإنه لواقع عصر في صورته الغالبة لا في صورته العامة تبعا لما سبق من تحديد. . وفي هذا كله ما يفسر لك انتفاء التناقض في الجمع بين كلمتين: هما الواقعية النفسية والرومانسية الوجودية!
وفي معرض المقارنة بين شاعرنا المصري والشاعر الإنجليزي نقدم هذا السؤال: هل تأثر علي طه في شعره في ذلك الاتجاه الرومانسي الذي نلمحه عند بعض الشعراء الغربيين ومن بينهم بيرون؟ سؤال مقصود أيضا لأن الجواب المنتظر عنه مقصود؛ حين نفتح الصفحة الرابعة والستين بعد المائة والصفحة التي تليها من الجزء الثالث من (حديث الأربعاء) للدكتور طه حسين فنجد هذه الكلمات: (ومن الكتاب من يقول أن شاعرنا تأثر بأبي العلاء ثم يضيق بهذا التأثر. ولست أدري أثأر شاعرنا بأبي العلاء حقا أم تأثر ببيرون أم تأثر بهما جميعا وبقوم آخرين غيرهما أم لم يتأثر بأحد، وإنما لقى من لقى من الشعراء مصادفة وعلى غير قصد ولا عمد. وأحس أنا في قصيدة أخرى اسماها (غرفة الشاعر) روحا (لموسييه)، ولكني لا أدري أهو روح الذي قرأ فتأثر أم هو روح الذي أحس فتألم، فشكا فلقي موسييه في هذا كله أو في بعضه. ولست أتردد في الرضى عن هذه القصيدة