هذا هو العربي الصميم، وهذه هي الوطنية الصادقة التي إذا غشى عليها اليأس قبست من التاريخ الحي في أعماقها ما يجلو الدجى ويزيح الظلام؟
أرأيت أحر من هذا الفؤاد؟ أسمعت أروع من هذا الزئير؟ هذا هو سليمان. . . شعلة متأججة بالوطنية، وشباب يتدفق حماسة، وروح مرهف تدميه هذه المآسي والنكبات وفكر وقاد يرى ويدرك، وخيال خلاق يتصور ويصور، ولسان ماض أتته اللغة منقادة طيعة فصاغ بها تلك الآلام أناشيد دامية تهز الموتى، وأنطق بها تلك الفواجع زفرات مشبوبة تلسع الجماد. . ثم مضى يستوحي التاريخ العربي المجيد أسياده ويوقظ من نام كتابه، حتى ماج ديوانه بالعباقرة والأبطال، وزخر بالبناة الخالدين والقادة المراد. . . بعثهم في أروع صورة، وأنطقهم بأبلغ لسان:
لا تلمني إذا بكيت على الما ... ضي؛ على عربي، على عنفواني
أنا أحيي التاريخ في كل ومضي ... من خيالي، وخفقة من جناني
ثم عاد يصور أقزام هذا العصر تصويرا دقيقا شفافاً أظهر ما أسن في قراراتهم، وبين ما أحتقن في أعماقهم من خور وطمع، وجشع وجبن، ثم عرج على الشعب المخدر يوقظه ويصور له هول مآسيه وجمال ماضيه تصويراً يستفز الجماد ويلهب الجليد.
أتلمست نفساً أحر من هذا النفس؟ وزفرة أطول من هذه الزفرة؟ إنها الأمة حاضرها وماضيها. . لقد انصهرت في عواطفه فصاغها آلاماً وأمالاً. . وسيظل يسقي من هذا المعين الذي في فؤاده، والذي لا ينضب. . وهل تنضب الأمة العربية من إيحاء؟
أما أني - علم الله - لم اسمع مثل هذه الملحمة، ولم تهزني مثل تلكم الأناشيد. . وبقدر ما أنا معجب بها وبصاحبها أتألم له ولها. . وأتمنى لو تحققت آمالها لتحقق آماله ليخف الألم، وليسكرنا سليمان بأناشيد الشباب المرحة الخالدة: -