إنسان من تعليق قلبه بإنسان أو بشيء آخر. ولكن (لينا) كانت ترى حولها من الرجال بلداء وما يحيط بها من الأشياء لا يطاق. فبعد أن جالت جولة في ميدان الطرد انتهى بها المطاف إلى حب نفسها، وأخذت تعامل نفسها كأنها تعمل طفلا مدللا فهي تهدي إلى نفسها الهدايا من الجواهر إلى الأزاهير.
وكانت تجلس الساعات الطوال أمام المرآة تبادل وجهها النظرات، وتقبل صفحة المرآة حيث يرتسم ثغرها. وبودها لو تستطيع تقبيل خدها في المرآة. وكانت تناجي نفسها بأعذب الكلمات وتفزع عندما تسمع بعض الاصوات، ثم تفكر في أيام الدراسة وفي الأشهر الأولى من عهد الزواج فتحس بحاجة قوية للبكاء.
وكانت نتيجة هذا التطور في عهود حبها أنها رأت جسامة الفروق بين طفولتها اللاهية وبين شبابها الحزين، فبدأت نفسها المعشوقة تخاف من نفسها العاشقة.
وبدأت كذلك تشعر أنها بعد ازدواج نفسها صارت اكثر وحدة واكثر وحشة، ولجأت من حب نفسها إلى حب زوجها فوجدت فيه ذلك المهذب الذي لا ينسى واجبه والذي يفهمها حق الفهم ويعطف عليها ابلغ العطف.
ولكنه بعد مدة لم يعد يستطيع التفرغ لها فقد كان محامياً واشتغل أخيراً بالسياسية وسعى لترشيح نفسه للعضوية في مجلس النواب. وكان لذلك كثيراً ما يتخلف عن منزله أسبوعا أو أسبوعين. وكان الزوجان في ذلك الوقت يقيمان في مغنى صيفي مجاور للبحر؛ وقد أنست الزوجة بالسكنى في هذا المكان طلباً للوحدة فيه وفراراً مما تشعر به في المدينة من الإغراء، وكان الهواء الخالص في ذلك المصيف يهدئ من أعصابها، ولكن مشغول البال بخاطر واحد لا يمكن أن يستريح سواء أقام في جوار البحر أو في ذروة الجبل.
وكان لا يزورها في هذا المغنى إنسان ولا تزور إنساناً، ولولا زوجها الذي يأتي بين فترات انقطاعه لكانت في هذا المسكن في وحدة كاملة.
واعتادت أن تقضي أوقاتها في هذه الوحدة جالسة في حديقة المنزل وفي يدها كتاب تمر بنظرها فوق سطوره ولا تقرأ شيئا منه أو ماشية في الأدغال المجاورة تقطع الوقت الذي لا تشعر بمروره أو جالسة شاردة الذهن في خواطرها وأمانيها. وكانت ترى بين حين وحين سفينة سوداء فيها صياد شاب تتمنى أن يكون الابن الذي ترزقه مخلوقاً على مثاله.