تفسيراً لانقطاع الوحي بعده. فلقد ارتسمت للبشرية في رسالته تلك الوحدة الكبرى وأعلن الناموس الخالد الذي لا يتبدل ولا يتحول. ومن ثم لم تعد إلا التفصيلات والتطبيقات، التي يستقبل بها العقل البشري، ولا تحتاج إلى رسالة إلهية أخرى.
وبعد فلقد اقتتل أتباع (تلك الرسالة) ولم يغن توحد طبيعتهم، وتوحد طبيعة الرسالة التي تجمعهم، عن اختلاف اتباعهم من بعدهم: حتى ليقتتلون من خلاف!
(ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات، ولكن اختلفوا، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، ولو شاء الله ما اقتتلوا، ولكن الله يفعل ما يريد).
ولكن هذا الاختلاف لم يقع مخالفا للمشيئة الإلهية؛ بل وقع وفق سنته المقررة، مشيئته المقدرة.
إن اختلاف الطبائع والمشاعر والأفكار سنة من سنن الخالق لتنويع الخلق - مع وحدة الأصل والمنشأ - وما كان الله ليجعل عباده جميعا نسخا مكررة، كأنما طبعت على ورق (الكربون)!
لا بد إذن لتكون للحياة قيمتها، وليكون الاختلاف والتقابل وسيلة للتكامل والتنوع، أن يكون هنالك اختلاف في الطباع والمشاعر والأفكار. ومتى وجد الاختلاف على هذا النحو فإنه يستتبع نتائجه؛ وإحدى نتائجه الاقتتال، الذي وقع بين أتباع الرسل. . فهو إذن وفق المشيئة، بمعنى أنه جار على السنة.
(ولو شاء الله ما اقتتلوا) لو شاء أن يجعل التماثل هو الناموس لا التنوع، لما وقع الاختلاف، ولما وقع الاقتتال.
(ولكن الله يفعل ما يريد). . ولقد أراد أن تجري السنة بما جرت؛ فوقع في الكون ما يقتضيه جريان السنة في طريقها المرسوم، وفق المشيئة الكبرى، لتحقيق حكمة خاصة تجري بها هذه المشيئة.