و (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض). . والتفضيل هنا قد يتعلق بالمحيط المقدر للرسول. كأن يكون رسول أمة، أو جيل، أو أجيال، أو جميع الأجيال. كما يتعلق بالميزات التي يهبها لشخصه أو لأمته. أو بطبيعة الرسالة ذاتها ومدى شمولها لجوانب الحياة الكونية والإنسانية.
وقد ذكر النص هنا مثالين في موسى وعيسى؛ وأشار إشارة عامة إلى سواهما:(منهم من كلم الله - ورفع بعضهم درجات - وآتينا عيسى ابن مريم البينات، وأيدناه بروح القدس).
ولم يذكر محمداً - صلى الله عليه وسلم - في صدر الأمثلة، لأن الخطاب موجه إليه، وهذا إخبار له عن غيره من الرسل فقد سبق هذه الآية قوله تعالى:
(تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين)
وحين ننظر إلى مقامات الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - من ناحية الاستعداد لإدراك الوحدة الكبرى، ومن ناحية شمول الرسالة لكل جوانبها، ومن ناحية محيطها وامتدادها نجد محمداً - صلى الله عليه وسلم - في القمة العليا - فالإسلام هو أكمل تصوير لتلك الوحدة: وحدة الخالق الذي ليس كمثله أحد، ووحدة الإدارة التي يصدر عنها الوجود كله بكلمة:(كن). ووحدة الوجود الصادر عن تلك الإدارة، ووحدة الناموس الذي يحكم هذا الوجود، ووحدة الحياة في الخلية الساذجة إلى الإنسان الناطق، ووحدة البشرية من آدم إلى آخر أبنائه في الأرض، ووحدة الدين الصادر من الإله الواحد إلى البشرية الواحدة، ووحدة الرسل المبلغين لهذه الدعوة، ووحدة المؤمنين الذين لبوا دعوة الدعاة، ووحدة النفس البشرية جسماً وعقلاً وروحاً، غزيرة وميلاً وشوقاً، ووحدة العمل والعبادة ما دام كلاهما متجها إلى الله، ووحدة الدنيا والآخرة داري العمل والجزاء.
ومحمد - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أطاقت روحه التجارب المطلق مع الوحدة الكبرى، كما أطاق عقله تصور هذه الوحدة وتمثلها.
كذلك هو الرسول الذي أرسل إلى البشر كافة، من يوم مبعثه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والذي اعتمدت رسالته على الإدراك الإنساني الواعي دون ضغط حتى من معجزة مادية قاهرة، ليعلن بذلك عهد الرشد الإنساني.
ومن ثم كان هو خاتم الرسل، وكانت رسالته خاتمة الرسالات، وهذا ما يعني أن أبرزه هنا،