وتقول:(حدثت نفسي، ونفسي حدثتني) فهل فكرت مرة، ما أنت؟ وما نفسك؟ وما الحد بينهما. وكيف تحدثك أو تحدثها؟
وتسمع الصباح جرس الساعة يدعوك إلى القيام - فقد حان الموعد، تحس من داخلك داعيا يدعوك إلى النهوض، فإذا ذهبت تنهض ناداك منك مناد أن تريث قليلا واستمتع بدفء الفراش، ولذة المنام - ويجذبك الداعيان: دعي القيام وداعي المنام. فهل فكرت ما هذا؟ وما ذاك؟ وما أنت بينهما؟ وما الذي يزين لك المعصية ومن يصور لك لذتها، ويحرك إليها؟ وما الذي يفرك منها، ويبعدك عنها؟ يقولون: إنه النفس العقل. فهل فكرت يوما ما النفس الأمارة بالسوء، وما العقل الرادع عنه؟ وما أنت؟
وتثور بك الشهوة، حتى ترى الدنيا كلها مخدع الحبيب، والحياة كلها متعة الجسد، وتتمنى أماني لو أعطيها شيطان لارتجف من فظاعتها الشيطان، ثم تهدأ شهوتك فلا ترى أقبح من هذه الأماني، ولا أسخف من ذلك الوصال!
ويعصف نفسك الغضب حتى ترى اللذة في الأذى، والمتعة بالانتقام. وتغدو كأن سبعا حل فيك، فصارت إنسانيتك وحشية. . ثم يسكت عنك الغضب،، فتجد الألم فيما كنت تراه لذة، والندم على ما كنت تتمناه.
وتقرأ كتاباً في السيرة، أو تتلو قصة، أو تنشد قصيدة، فتحس كأنك قد سكن قلبك ملك فطرت بغير جناح إلى عالم كله خير وجمال، ثم تدع الكتاب، فلا تجد في نفسك ولا في الوجود إثارة من ذلك العالم.
فل تساءلت مرة ما أنا من هؤلاء؟ هل أنا ذلك الإنسان الشهوان الذي يستبيح في لذته كل محرم ويأتي كل قبيح؟ أم ذلك الإنسان الباطش الذي يشرب دم أخيه الإنسان، ويتغذى بعذابه ويسعد بشقائه؟ أم ذلك الإنسان السامي الذي يحلق في سماء الطهر بلا جناح؟ أسبع أنا أم شيطان أم ملك؟
أتحسب أنك واحد وانك معروف. وأنت جماعة في واحد وأنت عالم مجهول. كشفت مجاهل البلاد، وعرفت أطباق الجو، ولا تزال أنت مخفياً، لم يظهر على أسرارك أحد. فهل حاولت مرة أن تدخل إلى نفسك فتكشف مجاهلها؟