والتاجر بالمشتري والقوي بالضعيف سواء في استعمار بريطانيا السابق لأجزاء هامة من عالم العرب أم صهيونية أمريكا ومصالحها الاقتصادية والدبلوماسية أم في استرقاق الفرنسيين لعرب المغرب الأحرار.
ولكن يندر أن تلمس في تجارب العرب السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية احتكاكاً مباشراً مع الروس توفر للمواطنين العرب وزعمائهم السياسيين فرصا نافعة تعرفوا فيها على دقائق السلوك الروسي على ما عرفوه من سلوك الأمريكان والأوربيين في تجاربهم الطويلة معهم.
وإن من غير الصواب أن نحلل الفكر والسلوك لروسيا السوفيتية على ضوء موجات الدعاية أو بما نلمسه من سلوك العناصر الشيوعية المحلية التي تدين بالولاء لموسكو، فالفكر السوفيتي خصائص فريدة زرعت ونمت وشبت في طبيعة المجتمع الروسي، وإن ما يصدر إلى الخارج من هذه الخصائص السوفيتية عن طريق الحركات الشيوعية خارج الاتحاد السوفيتي لا يتعدى نماذج مصطنعة اختيرت لتلائم وضعاً إقليمياً معيناً، وهذه النماذج تختلف باختلاف الأوضاع الإقليمية وباختلاف الشعوب التي يجري فيها النشاط الشيوعي. فالبضاعة التي تروجها الشيوعية المحلية في الشرق العربي مثلاً تختلف عن النماذج التي يروجها الشيوعيون في إيطاليا أو فرنسا مثلاً. وكل هذه النماذج ليس صورة صادقة لحقيقة الأهداف التي تطمح موسكو لتنفيذها في المراحل النهائية.
والمهم أن ندرك أن الوضع الجغرافي والمركزي الدولي للعالم العربي يفرض علينا يقظة حساسة لمراقبة دقائق السلوك السياسي والفكري لكلا المعسكرين المتطاحنين السوفيتي والغربي. ولما كانت علاقتنا السياسية والثقافية مع المعسكر الغربي متواصلة مستمرة توفر لنا وسيلة طيبة للتعرف على تفكير هذا المعسكر ونواياه وأهدافه وسلوكه، وحيث أن صلتنا الفكرية والسياسية بالاتحاد السوفيتي بعيدة متقطعة، فإن المصلحة الجوهرية لكياننا القومي تفرض علينا سبر غور هذا اللغز السوفيتي خصوصاً وأن في العالم العربي أوساطاً واعية ذات مكانة ونفوذ تؤمن بأن كثيراً من مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية مرتبطة (بالورقة الغامضة) التي يحملها الاتحاد السوفيتي إزاء الشرق الأوسط في هذه المقامرة السياسية والعسكرية التي يلعبها المجتمع الدولي في هذه الأيام.