وبعد فإن كاتب هذه السطور لن يحاول في هذا البحث أن يقارن بين أهداف الطرفين (الروس وحلفاء الغرب) وسلوكهما، ولن يطمح في أن يربط قضايا العالم العربي بهذا أو ذلك. وإنما هي محاولة للتعرف على بعض الحقائق الجوهرية للفكر والسلوك الروسي في إطاره العام، فلعل في هذه المحاولة نفعا للمواطن العربي الذي يقف بين حجري الرحى وقدراته العامة والخاصة في يديه يحاول أن يجد الخلاص من هذا المأزق المحرج الذي فرضه عليه صراع فكري وسياسي واقتصادي بين كتلتين سياسيتين تتنافسان اليوم على السيادة الدولية.
ليس المهم في هذا النوع من البحث أن يحلل الكاتب المبادئ لفكرية (الأيديولوجية) التي تستند إليها الدعوة الشيوعية السوفيتية بقدر ما يهمه أن يتعرف على الأساليب التي تتميز بها السياسة السوفيتية عند قيامها بتنفيذ هذه المبادئ في روسيا نفسها وفي العالم الخارجي.
فالاقتناع بالعقائد والنظم الفكرية (شيوعية كانت أم غير شيوعية) اصبح أمراً ثانوياً إزاء سياسة توازي القوى التي تشوب سلوك المعسكرين الكبيرين الروسي والغربي. فقد اصبح كلا الطرفين أميل إلى توطيد نفوذه في المناطق الحساسة (كمنطقة الشرق العربي) في أساليب تبتعد في كثير من الحالات عن جوهر المبادئ والمعتقدات الفكرية التي تستند إليها نظم الحكم في كل من الاتحاد السوفيتي ودول حلف الأطلنطي. فالعالم اليوم في حالة حرب (باردة) حالات الحرب تستلزم خدعه في السلوك ومناورة في أساليب الفكر والفن الدبلوماسي. وعلى ذلك فإن حاضر الوضع الدولي يتطلب اهتماماً بدقائق هذا السلوك اكثر من اهتمامه بالمعالجات لجوهر النظم الفكرية والسياسية التي تبشر بها الدول الكبرى التي لها القول الفصل في مصير السلم والحرب.
ولقد أشرنا في فقرة سابقة إلى أن الشعوب العربية قد اختبرت عن كثب كيف أن سياسة الدول الديمقراطية الغربية في العالم العربي لا تتمشى في كثير من الحالات مع المبادئ الديمقراطية التي يستند إليها الفكر العربي وأنظمة الحكم القائمة في أوربا وأمريكا. فمأساة فلسطين علم على ذلك وتراث الاستعمار الغربي في دنيا العرب مثل حي من أمثلة هذا التناقض بين العقائد والسلوك.
أفليس من الصواب إذن أن نسعى لمعرفة ألوان التناقض بين العقيدة الشيوعية السوفيتية