وبين سلوكها السياسي مع العالم الخارجي، ونحن في منطقة حساسة يتوقف كيانها السياسي وبقاؤها على خريطة الأرض على ما يتمخض عنه من صراعات الدول الكبرى المتنافسة. ألم يصرح الجنرال أيزنهاور كبير القادة العسكريين في دول الحلف الأطلنطي بأن الشرق الأوسط هو أهم ميدان عسكري في خريطة العالم العسكرية.
وبعد فإن التعرف على دقائق السلوك يتطلب معرفة بخصائص العقلية السوفيتية. ويجب أن نميز بين العقلية السوفيتية وبين العقلية الروسية؛ فالأولى إطار فكري يعيش على تراث ماركس ولينين - وستالين وهو تراث راسخ في ثقافة رجال الحكم وصناع السياسة الذين يسيطرون على مقدرات روسيا اليوم. والثانية عقلية (شعبية) تراثها الثقافة الروسية التقليدية والمقومات التاريخية والأدبية والعاطفية وطبيعة المناخ والإقليم وسائر ألوان النشاط الإنساني التي تتميز بها الشعوب من بعضها. ولا شك أن هناك تشابكا بين العقلية السوفيتية وبين العقلية الروسية بحكم أن رجال الحكم المسؤولين عن روسيا اليوم هم من صلب الشعب الروسي. وهذا التشابك بين العقليتين ينقطع في كثير من الحالات والأحداث الخطيرة الهامة. ففي عقول البلاشفة السوفيتيين طبقات كثيفة من فلسفة ماركس ولينين وستالين والمدارس الفكرية المنبثقة عنها ترقد فوق تراثهم ومقوماتهم الخلقية الروسية التي ورثوها بحكم كونهم من إنتاج الشعب الروسي، ولكن هذه الطبقات الكثيفة جامدة متحجرة تنفرد في التأثير بسلوك رجال الحكم السوفيتي بصور قد تتناقض في بعض الحالات مع طبيعة العقلية والمقومات الخلقية للشعب الروسي. وليس هذا التناقض بشيء جديد في سلوك الأفراد والجماعات؛ فالبريطاني في بلده إنسان يختلف في عقليته وسلوكه عن مواطنه الذي يتولى حكماً في مستعمرة أو ينفذ سياسة معينة درب نفسه على تنفيذها مسلحاً بثقافة استعمارية خاصة، فرجال السلك الخارجي البريطاني مثلاً حين ينتدبون للخدمة في المستعمرات والمحميات والانتدابات يمرون في تدريب خاص في معهد الدراسات الشرقية في جامعة لندن مثلاً، وما اكثر ما خلقه هذا التدريب من سلوك شائن بعيد عن أوصاف العقلية البريطانية التقليدية.
وبمثل هذا المقياس يجب أن نوازن بين رجال الحكم السوفيتي في موسكو وبين المواطنين الروس من غير رجال الحكم والإدارة. فنصف رجال الحكم بأن لهم عقلية سوفيتية