للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يبصر ولا يغني شيئاً.

كان يفعل ذلك دهماء العرب ذوو النفوس اللينة الضعيفة.

ويذكرون أن النابغة الذبياني كلن من أولئك. زعم الأصمعي أن النابغة خرج مع زيان بن سيار يريدان الغزو، فبينما هما يريدان الرحلة إذ نظر النابغة وإذا على ثوبه جرادة تجرد ذات اللون، فتطير وقال: غيري الذي خرج في هذا الوجه! فلما رجع زيان من تلك الغزوة غانما سالما قال:

تخبر طيره فيها زياد ... لتخبره وما فيها خبير

أقام كأن لقمان بن عاد ... أشار له بحكمته مشير

تعلم أنه لا طير إلا ... على متطير وهو الثبور

والبيت الثاني من هذه الأبيات يدلنا على مقدار إيمان بعض العرب بالطيرة، وخضوعهم التام لسلطانها كما أن البيت الرابع يدلنا على نظرة العقلاء منهم إلى الطيرة، وأنها من صميم الاتفاق لا غير. وكان زيان من دهاة العرب وساداتهم.

وممن كان لا يرى الطيرة شيئاً المرقش من بني سدوس، إذ يقول:

إني غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحاتم

فإذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم

فكذاك لا خير ولا ... شر على أحد بدائم

فالعرب في جاهليتهم كانوا يضطرون إلى ذلك ليجتلبوا قوة العزيمة فيما ضعفت عزيمتهم فيه، وليقطعوا الشك قطعاً بذلك الحكم الحاسم الذي يخضعون له خضوعاً كاملاً.

١ - فكان العربي إذا أراد السفر والنقلة من موضعه استسقم بالأزلام، ففي السفر مخاطر كثيرة، مخاطر الطريق أن يضل به أو تعترض لله من جباته السباع، أو تطيح به العاصفة الهوجاء، ومخاطر الرحلة التي يعتليها فقد تهلك راحلته فتستبد به مشقة السفر. وتحدثه نفسه بعد ذلك، أيؤوب سالما غانما، أم يغتاله الهلاك وتطويه الخيبة، فلا بد له أن يقوى عزمه باستشارة الأزلام فهي التي تأمره، وهي التي تنهاه.

٢ - وكان العربي إذا ابتغى تجارة وليس التجارة أمراً هيناً عند العرب، فلا بد للتجارة في اغلب الأمر من رحلة إلى شرق البلاد أو غربيها، أو شمالها أو جنوبها، وفي ذلك التعرض

<<  <  ج:
ص:  >  >>