الباحثين والمفكرين، وإظهار جهودهم، وثمرات نبوغهم؛ وفي كل يوم نقرأ نبأ هذه الهبات والجوائز السنية، ونهتز إعجاباً وإكباراً لهذه النفوس والهمم الرفيعة التي تجد مثلها الأعلى في العمل على تشجيع المثل العليا، ولا تنظر إلى المال إلا كوسيلة لإذكاء النبوغ واستثماره لخير العلم والإنسانية. وفي هذه الأمم التي يتقدم أغنياؤها للاضطلاع بهذه الأعمال الجليلة نجد الحكومات والهيئات العلمية الرسمية تعنى أشد العناية ببذل هذا التشجيع المنظم للدرس والبحث والنبوغ؛ ففي الجامعات ترتب جوائز دائمة لنوابغ الطلاب، فضلاً عن إعفائهم من أجور الدراسة، وترتب جوائز دورية مختلفة لتشجيع البحوث والجهود العلمية الممتازة؛ ولا تكاد توجد هيئة علمية أو أدبية، إلا ولها جوائز دورية ثابتة تمنح لكل عامل لتحقيق الأغراض العلمية أو الأدبية التي رتبت لتشجيعها. وأمامنا مثل الجمعيات الطبية والجغرافية والتاريخية في مختلف العواصم الغربية، فإنها جميعاً تبذل من المعاونات المادية في سبيل البحث والدرس والاستكشاف ما هو معروف ومشهور؛ ويكفي أن نذكر أن معظم الاستكشافات العلمية والطبية والجغرافية، تتم تحت رعاية هذه الهيئات المحترمة. بل يكفي أن نذكر أن معظم العلماء والمستكشفين لا يستطيعون القيام بمشروعاتهم إلا بمؤازرتها المادية، وأنها هي التي أوفدت في العصر الحديث معظم المكتشفين إلى مختلف مجاهل أفريقية وأسيا والقطبين
والخلاصة أن الهيئات الرسمية والخاصة في هذه الأمم العظيمة، تتحد جميعاً في مؤازرة الحركة العلمية، وتشجيع التفكير والنبوغ بجميع الوسائل. على أن أبدع ما في هذه النزعة هو الجهود الخاصة والفردية؛ وليس مثل ألفرد نوبل وحيداً، وإن كان من أعظم الأمثلة وأبدعها؛ فهنالك في فرنسا مثلاً مشروع جائزة (جونكور) الذي وضعه الكاتب الفرنسي أدمون جونكور لتتويج الآثار الأدبية البارزة؛ وقد وهب المشروع مالاً كثيراً، وما زالت (أكاديمية جونكور) منذ أواخر القرن الماضي تمنح جوائزها الأدبية للكتاب والقصصيين النابهين، عاماً بعد عام؛ وما زالت تعتبر شرفاً أدبياً يطبع الفائزين بطابع النبوغ، ولا سيما كتاب الشباب، ويفتح أمامهم أبواب المستقبل الذهبي؛ وهنالك أيضاً أمثلة عديدة لهذه الجهود والمنشآت الفردية، كما أن هنالك صحفاً كثيرة تنشئ مثل هذه الجوائز الأدبية؛ ولهذه الجهود المتحدة بلا ريب أثرها القوي في تقدم الحركة الأدبية وازدهارها في هذه الأمم