أما نحن فلم نعرف بعد أهمية هذه المؤازرة العلمية، ولم تأخذ بها إلى اليوم جماعاتنا العلمية الرسمية؛ ولم يسغها بعد أغنياؤنا. فوزارة المعارف لم تفسح في ميزانيتها أي مجال لمثل هذه المؤازرة، لأنها لا تريد على ما يظهر أن تضطلع برعاية الحركة الفكرية العامة، وتريد أن تقتصر دائماً على شئونها الإدارية؛ ولدينا جامعة دينية عظيمة ولها ميزانية ضخمة، ولكنا لم نسمع أنها تقدمت ذات يوم لمؤازرة أي مجهود علمي حتى في دائرةمهمتها الدينية، فلم تساهم قط في تشجيع المباحث الإسلامية التي تنفق في سبيلها الجامعات الأوربية مئات الألوف تحقيقاً لمهمتها العلمية، ولم تساهم قط في إخراج أي أثر ديني أو عربي جامع؛ ولم نسمع أنها رتبت جائزة علمية محترمة؛ ولدينا الجامعة المصرية ما زالت تحتفظ بأفقها المدرسي، وما زالت بعيدة عن أن تخلق ذلك الجو العلمي الذي يمكن أن تنضوي تحت لوائه الجهود العلمية الفردية؛ ولم نعرف أن الجامعة ساهمت في تشجيع مجهود علمي فردي، ولا نعلم أنها على استعداد لذلك؛ كذلك لم تعرف الجامعة المصرية بعد نظام الجوائز العلمية والأدبية المحترمة، وإن كانت تعرف كيف تغدق على الأساتذة الأجانب؛ ولدينا عدة جمعيات علمية تتمتع بالرعاية الرسمية وبأموال الدولة، ولكنها جميعاً أجنبية في روحها وعواطفها، ولا يمكن أن تعتبر بحال ما مصرية، ولا يمكن أن تضطلع بمثل هذه المهام العلمية المحلية، التي يجب أن تتوفر لمؤازرتها عاطفة قومية لا توجد في هذه الجماعات
على أن هناك لدى جهاتنا الرسمية نزعة أخرى إلى تشجيع الجهود (العلمية) لا يمكن تجاهلها، ولكنها مع الأسف وقف على الأجانب؛ ونستطيع أن نحصي عشرات العلماء الأجانب الذين يفوزون بتعضيد الهيئات الرسمية المصرية للقيام بمختلف المهام العلمية أو لإخراج جهودهم، وهم لا يجدون مشقة في الحصول على هذه الهبات والجوائز السنية؛ ولكنك لا تجد مفكراً مصرياً استطاع أن يحظى بهذه الرعاية. ولا ريب أن تشجيع الجهود العلمية مبدأ محمود في ذاته، والعلم لا وطن له؛ ولكنه لا يقتضي الإيثار وحرمان المفكرين المصريين من كل تعضيد ومعاونة، بينما يرتع العلماء الأجانب في أموال الأمة المصرية؛ وما زلنا نذكر الضجة التي قامت منذ أشهر حول المنح المالية الباهظة التي أغدقت على أستاذ إنكليزي هو الكبتن كرزويل، لكي يخرج كتاباً له ولم يخرج منه سوى مجلد واحد،