وكان مجموع الهبات التي استولى عليها من مختلف الجهات الرسمية يبلغ بضعة آلاف جنيه؛ وهنالك علماء أجانب يتقاضون الألوف المؤلفة من الأموال المصرية لكي يضعوا كتباً معينة؛ وتطلع علينا هذه الكتب من آن لآخر باللغات الأجنبية، فلا نراها ترتفع إلى مستوى المؤلفات العلمية القيمة، ولا نرى فيها سوى كتب دعاية ينقصها الطابع العلمي المحترم؛ وما زلنا نذكر تلك البدعة التي ظهرت في الأعوام الأخيرة، وهي انتداب بعض الجهات الرسمية لبعض العلماء الأجانب الذي يؤمون مصر في الشتاء زائرين متنزهين، لإلقاء بعض المحاضرات، ومنحهم عن المحاضرة الواحدة مكافآت باهظة تبلغ أحياناً خمسين جنيهاً!
لقد كانت الرعاية العامة وما زالت أكبر عامل في تشجيع الحركات الفكرية وازدهارها. ومع أن قسطاً كبيراً من هذه الرعاية تضطلع به الهيئات الخاصة والأفراد النابهون في الأمم الحية، فإن الحكومات والجامعات وما إليها من الهيئات العلمية الرسمية تقوم بتنظيم هذه الرعاية والسهر على توزيعها حيثما تبزغ بوادر النبوغ. ذلك أن النبوغ يعتبر في الأمم الحية ثروة قومية تجب المحافظة عليها واستثمارها وحمايتها من عوامل الخمول واليأس. ولقد مرت عصور كثيرة في تاريخنا كانت الحركة الفكرية فيها تأخذ حظها من الرعاية والمؤازرة؛ وكان العلماء والمفكرون يتبوءون أرفع مكانة وتغدق عليهم المنح والهبات الوفيرة لكي يتفتح نبوغهم ويستطيعون العمل في دعة وسكينة؛ وكان الخلفاء والسلاطين يأخذون بأعظم قسط في تشجيع الحركات الأدبية، وكان من بواعث الفخر أن يكون القصر أو العاصمة ملاذاً لأكبر عدد من الكتاب والشعراء؛ وكان من زينة العصر والدولة دائماً أن تزدهر الحركات الفكرية في ظل الرعاية الرسمية؛ وهاهو ذا الأزهر لم يعاونه على الحياة حتى عصرنا سوى التفات السلاطين إليه وتعهد علمائه وطلبته بالبذل والعون. ولم يكن الملق، دائماً، كما هو الشأن في أيامنا ثمن هذه الرعاية. ذلك أن رعاية العلم والعلماء في تلك العصور كانت تعتبر من واجبات الدولة القوية المستنيرة، وكان العلماء يعملون في ظل هذه الرعاية مستقلين في الغالب، ولم يكن يطلب إليهم دائماً أن يكونوا أذناباً أو دعاة للأسر أو الحكومات التي تشملهم برعاية يعتبرونها حقاً عاماً لهم يجب تأديته إليهم
ومن العبث أن ندعي أن الحكومات والهيئات الرسمية المصرية المختلفة قد استطاعت أن