تبناها واضع المسيحية الأولى. وإذا أنت درست الصفة البارزة في المسيحية تجد أن ما يميزها عن الأديان التوحيدية الأخرى هو قضاؤها على (القانون) والتوكيد الكانتي، وبدلاً من ذلك تسعى المسيحية لتحقيق الميول الحرة، وهكذا تراها في شكلها الفني تمثال الجمال الخلقي أو تجيد ما هو مقدس، ولهذا المعنى يمكننا أن نعتبرها الدين الجمالي الوحيد (البعيد ع التشريعات السياسية والأنظمة الدنيوية).
وعلى هذا الأساس يمكن تفسر نجاح هذا الدين في الطبائع النسوية (والدليل الواضح على ذلك هو أن أول مبشر بهذا الدين كانت امرأة: هي مريم المجدلية التي نسج المسيحيون حولها هالة من القداسة ووضعوها في منزلة الأصفياء والأولياء المختارين من قبل السيد المسيح). ويقول شلر مستطرداً (ولكن بصورة جدية، وهل يمكنك أن تجد إنساناً متثقفاً بدون أن يلتجئ في ساعاته الحرجة إلى الفلسفة؟ أما أنا فإنني مقتنع تماماً، بأنه إن وجد إنسان من هذا النوع فهو مجبر على مسايرة الاتجاه الجمالي، لأن المزاج الجمالي لا يحتاج إلى الاقتناع الذي هو وليد التأمل والتفكير، ولا يحتاج إلى العقل المجرد إلا متى اصطدمت الاحساسات الطبيعية بالقانون الأخلاقي. والطبيعة الشاعرية السليمة لا تحتاج إلى مثل هذا القانون الصلب، أو حتى حقوق الإنسان أو الميتافيزيقية السياسية كما تدعوها أنت (يقصد جوته)، ويمكنك أن تضيف إلى ذلك أيضاً، بأن هذه الطبيعة لا تحتاج إلى الآلهة ولا إلى الخلود، وما هذه النقاط الثلاث (وهي الآلهة والخلود والقانون الأخلاقي) التي تدور حولها كل المناقشات والتأملات الفلسفية بأكثر من تسلية لمثل هذه الطبيعة الشاعرية وهي لهذا السبب ليست أموراً ضرورية مطلقاً).
وهذه الفقرة الأخيرة غريبة في مدلولها، لأنها إن كانت صحيحة فهي تعتبر طبيعة شلر بالذات (طبيعة شاعرية غير سليمة) لأننا نجد هذه النقط الثلاث بارزة في مؤلفاته وبحوثه - وقبل أن ننهي موضوعنا هذا علينا ألا ننسى ملاحظة لها علاقة وثيقة بموضوعنا، وهذه الملاحظة تتلخص في السؤل الملح الذي يوجهه كل من درس الآداب الألمانية وهو: أيهما أشعر جوته أو شلر؟ ولنا إذا سمح لنا أن نقول: إن هذا السؤال تافه وغير ذي موضوع لسنين: فأولاً أن شلر وجوته يختلفان في مواهبهما اختلافاً كلياً سواء كان ذلك في مساعيهما أو في المجالات الثقافية العامة. ثانياً: إذا كان السؤال يعني - على العموم - المفاضلة