يعرفونه معرفة حقيقية يعتقدون بأن هذه التأملات لم تنفعه في شيء. ولكن شلر كان راضيا كل الرضى بفلسفته التي اعتنقها بعد أن صرف في ذلك جهداً شاقاً. وفي هذه الفلسفة - التي انسجمت مع شعره - تمكين لقوته الفطرية والخلقية. يقول شلر بخصوص ذلك ما يلي:(أنا لا انتظر من أعداء هذه الفلسفة الجديدة شيئا من التسامح، كالذي أظهروه تجاه الفلسفات الأخرى، التي لم يعرفوا عنها شيئا كما انهم لم يعرفوا هذه! لأن الفلسفة كانت - في قضاياها الإنسانية - لا تحتمل أي تسامح، وهي تحمل صفة جدية لا تفسح مجالا لأية تسوية. وهذا - في نظري - يشرفها لأنها لا تحتمل العبث بالحق. إن هذه الفلسفة لا تناقش بمجرد هز الرأس. ففي حقل البحث الصريح الواضح الذي يمكن التوصل إليه تبغي هذه الفلسفة ومنهجها - فهي لا تتظلل بأي ظل - ولا تبحث عن أية تحفظت تتستر بها، وهي تحب أن تعامل كما تعامل هي جيرانها، وهذا يجعلنا نغتفر لها عدم اعتدادها بغير البراهين. ولن أخشى من التفكير في أن قانون التغيير - الذي يأتي على كل شيء - الهي سيسري على هذه الفلسفة أيضاً، وسينال منها منالاً شديداً، إلا أنه سيحافظ على جوهرها، لأن النوع البشري منذ بزوغ شمس العقل اعترف بمثل هذه المبادئ الأولية وعمل بها.
إن إنجازات شلر الفلسفية تخص قضايا الفن والأدب بصورة رئيسية، وهي لا تخلو من نظرات مهمة في مجالي التأمل: لا بل إن الفن نفسه - كما تصوره - يستند على أساس متين من مصالح الإنسان وهو بنفسه (أي الفن) يتضمن تسوية انسجامية بين هذه المصالح. لقد أخذنا على أنفسنا من مدة أن نقدم إلى قرائنا خلاصة (الرسائل الجمالية)، هذه النتف المتماسكة العميقة من الجدول الذي قلما نجد مثيلا لها، وبهذه الواسطة نتمكن من دراسة الصفةالبارزة لشلر كفيلسوف، وفي الوقت نفسه فالفقرتان القصيرتان الآتيتان ستقدمان دليلا على وجهة نظره في جميع القضايا الفلسفية بدون الاحتياج إلى أي تفسير أو إيضاح. ليتكلم شيلر في هاتين الفقرتين عن (وليم مايستر) و (اعترافات القديس الجميل) التي تحتل الكتاب السادس من ذلك المؤلف فيقول: (إن الانتقال من الأديان البدائية إلى الديانة المسيحية بتجربة الخطيئة مفهوم بصورة جيدة - إنني في الواقع - أجد في النظام المسيحي أصول الفكرة السامية، ولكن الصور المشوهة المختلفة لهذا النظام في الحياة الواقعية، تجعل هذه الفكرة مؤذية ووضيعة، لأنها تمثل تمثيلاً سيئاً الفكرة الأصيلة التي