للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

برفقة زوجتي، وخيالي يصور لي أننا نستطيع أن نجول في أنحاء المدينة في لذة وسعادة؛ نزو معا بعض أصدقائي ثم نطير إلى مروج بافاريا ننعم بالخلوة، ونقطف الثمرة الحلوة. ووجدت السعادة في ميونخ، وعلى حين فجأة بدأ القلق يضطرب في ناظريها، فجلست إليها أستطلع الخبر، فقالت: (لا شيء! إنني أرى الجمال هنا، ولكن. . ولكنني أرى الناس غلظة وجفاء!) وحدثتني نفسي: (يا لله! لا ريب أن في سكان ميونخ البطيء الهدوء، أما الغلظة والجفاء. . .!) واندفعت هي في حديثها: (حقا، إن فيهم غلظة وجفاء! إن المرء ليضرب في الطرقات والشوارع ساعات فلا يرى إنساناً واحداً يرفع بصره فيحدق في الآخر. هذه هي النقطة التي رأيتها فيهم).

أفرأيت يا صديقي؟ لقد زلت زوجتي، فهر تريد الشوارع تموج بالناس بين معجب بها وعاشق لها، وهي لا تجد بغيتها في ميونخ. لعلك تنفجر ضاحكا من هذه السخافة، ولكنك ستجد فيما أقص عليك متعة وسلوى.

وفي الصباح التالي انطلقت أجلس في ندى مكسمليان أنتظر زوجتي لأصحبها إلى المعرض. لقد تركتها في الفندق ترتدي ملابسها تتزين. ولبثت طويلاً أنتظرها. ودقت الساعة عشراً وأنا جالس إلى نضد أردد بصري بين المارة وأحدق في دار الأوبرا وهي قبالتي؛ وابتدأ الناس يتصدعون عن المكان والنذل متكئون إلى الجدار في كسل وفتور. وخلا المكان إلا من شرذمة من الطلبة يحتسون الجعة ويلعبون؛ وهدأ المكان إلا من بعض كلمات تنفرج عنها شفاه الطلبة بين الحين والحي؛ وبذر الانتظار في نفسي غراس القلق والضيق. . ثم جاءت عند الظهر. . جاءت ترف رفيفاً جميلاً، حسناء جذابة، فاتنة خلابة، تسير الهوينى في خيلاء وصعر، وعلى ثغرها ابتسامة عذبة. . ومالت إلى النادلة تسألها ثم دلفت إلى في أناة وتؤدة، وحين صارت بازاء الطلبة تركت مظلتها تسقط من يدها فاندفعت النادلة إليها والطلبة في شغل.

وسألتها عن بعض ما تحب من أصناف الطعام لتتناول طعام الإفطار فلم تعر سؤالي التفاته وراحت تقول: (أنا لا أريد أن أجلس إلى هذا الشباك فهناك في الشارع وعلى جدار الملهى أشياء تبعث في النفس الضيق والملل. . خبر لنا أن نتنحى عن هذا المكان. ثم انطلقت تختار نضداً إلى جوار الطلبة؛ وحين سحبت إليها كرسياً هزت الآخر فانتثر ما عليه من

<<  <  ج:
ص:  >  >>