صحف فتناولتها والطلبة في لهوهم ما ينظرون. واستقر بنا المقام فسألتها مرة أخرى عما تتطلب من طعام، والشوق يدفعني إلى المعرض؛ غير أنها قالت في تؤدة وهي تضع نظارتها على عينيها:(خبرني، أفلا يجد هؤلاء الطلبة عملاً سوى شرب الجعة ولعب الورق؟) وأمسكت بصحيفة أصرف بها عن نفسي السوء وأكفكف بين سطورها نزوة تضطرب في قلبي، ولكنها لم ترض أن تتنزل عن رأيها في سهولة، فاندفعت تتحدث إلى:(يا لتعس آباء هؤلاء الطلبة! إنهم يبذلون آخر فلس في جيوبهم في سبيل أبنائهم وهم يبددون المال في المقاهي! أين المعلم وعصا المعلم؟) وانطويت عنها أردد بصري في سطور الصحيفة في إغضاء وإهمال؛ ولكنها قالت:(أنظر إلى كؤوسهم. . إلى رؤوسهم! يا عجبا! إنهم كحمالي المحطة!).
وتأجج الغضب في رأسي وأنا أهدئ من ثورتي خشية أن يتثلم شرفي في هذا الندي، ثم قلت في هدوء:(لا، بل أستطيع أن أرى أن ميونخ تبعث في نفسك الضيق والضجر، وأنا لا أجد بداً من أن ننطلق إلى شليرسي بعد ساعتين، فهو مكان هادئ جميل، وهناك دريتشر صديق قريب إلى نفسي) ثم رجعنا إلى الفندق نتأهب. . .
وأبرقت إلى صديقي. . وبلغنا شليرسي عند الساعة الرابعة، فألفيت صديقي لدى المحطة ينتظر. وانطلقنا جميعاً إلى فندق جميل على شاطئ البحيرة وحللنا غرفة واسعة أنيقة جميلة، تتراءى أمامها البحيرة وما حولها من مباهج. وأضنى التعب زوجتي - أجاتا - فانطرحت في فراشها في سبات عميق، أما أنا فقد انطلقت على دراجتي أطوف بالبحيرة والقرية وأستحلي رواء الريف الجميل، ثم عدت عند الثامنة فإذا هي في الحديقة، وفي يدها كتاب ما تستقر عيناها بين سطوره، وعلى خطوات منها بعض الريفيين، وقس يجلس إلى الحارس. وأخذتني روعة المكان فأحببت أن أقضي بعض وقتي هناك؛ واندفعت إليها وهي جالسة في ثوبها الأبيض الحريري الجميل، يتأرجح العطر منها عبقا طيبا؛ غير أنه لم يلتفت إليه أحد، وقفت بازائها أقول:(ما رأيك يا عزيزتي؟) فحدجتن بنظرة قاسية وقالت: (أهذه هي شليرسي؟ أنا لا أستطيع أن أمكث هنا أكثر من يومين فهذا مكان لا يلذني) قلت: (إنه هادئ. . . والبحيرة. . .).