(فقال أحد إخواني بعد خروجه من الامتحان أن الشيخ حمزة يفتح كتاب النحو والصرف ويطلب من الطالب أن يتلو الفصل الذي يقع عليه الاختيار. ولم نكن ندرس لا نحوا ولا صرفا في المدرسة لأن الدراسة كانت مقصورة على الأدب. فأيقنا بالفشل وجاء دوري فدخلت وأنا واثق من الرسوب وجلست أمامه فناولني كتاب مقدمة ابن خلدون فقرأت. ولا أزال أذكر فاتحة الكلام وهي (إعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها) إلى آخره، فقال ضع الكتاب فوضعته. فسألني عن العدوان والفعلين عدا واعتدى وانتقلنا إلى الصيغ المختلفة التي يكون عليها الفعل (اعتدى) مثل (اعتديا) للماضي المثنى و (اعتديا) للأمر، فسألني لماذا كان الماضي بالفتح والأمر بالكسر فلم أعرف لهذا سببا وقلت أنه لا سبب هناك سوى أن العرب نطقوا بها هكذا. فدهش لهذا الجواب وقال ولكن لهذا سببا. قلت إن اللغة سبقت النحو والصرف، وكل هذه القواعد موضوعة بعدها، وما دمت أنطق كما كان العرب يفعلون فإن هذا يكفي ولا داعي للبحث عن سبب مختلق. فغضب وظهر هذا على وجهه فلم أبال بغضبه، وحدثت نفسي أنه خير لي وأكرم أن أسقط بخناقة من أن تكون علة سقوطي الجهل. وأصررت على رأي وكاد يحدث ما لا يحمد، لولا أن المرحوم الشيخ شاويش تدارك الأمر، فقد نظر في ساعته ثم التفت إلى الشيخ حمزة وقال (العصر وجب يا مولانا) فنهض الشيخ وهو يقول (إي نعم) وذهب للصلات ونسيني فكان في هذا نجاتي).