نائم، ولمست وجهي بكفها، مترفقة محاذرة، مخافة أن توقظني، فإذا أنا أتصبب عرقا، وإذا بثيابي كلها - كما قالت - عصرة. وأصبحت وقد ذهبت عني وقدة الحمى وأخذت أتماثل).
ويتحدث المازني عن الفرق بين الدراستين الابتدائية والثانوية فيقول:(إن التعليم الثانوي كان انتقالا أدق المعاني، فقد صار كل ما في المدرسة إنجليزيا - الناظر والمدرسون والتعليم - ما عدا اللغة العربية، ولم يكن تدريس اللغة العربية خيرا من تدريسها في الوقت الحاضر، ولكنا كنا أقوى فيها من تلاميذ هذا الزمان - لا أدري لماذا؟ - وكان المفتش الأول للغة العربية المرحوم الشيخ حمزة فتح الله، وكان من أعلم خلق الله بها وبالصرف على الخصوص، وكان رجلا طيبا ووقورا مهيبا، فكان إذا دخل علينا يسرع المدرس إليه فيقبل يده فيدعو له الشيخ، ولا نستغرب نحن شيئا من ذلك، بل نراه أمرا طبيعيا جدا. وأعتقد أن منظر أساتذتنا وهم يقبلون يد الشيخ حمزة كان من أهم ما غرس في نفوسنا حب معلمينا وتوقيرهم، فإني أراني إلى هذه الساعة أشعر بحنين إلى هؤلاء المعلمين ولا يسعني إلا إكبارهم حين ألتقي بواحد منهم وإن كنت لم أستفد منهم شيئا يستحق الذكر).
وللمازني مع الشيخ حمزة فتح الله حادثة طريفة لا تخلو من دلالة. وكان يؤدي الامتحان الشفوي في الشهادة الثانوية، والشيخ رئيس لجان اللغة العربية. وندع المازني يروي بقلمه قصته مع الشيخ:
(لما جاء دوري اتفق أنه كان موجودا، فلما انتهت المطالعة وجاء دور المحفوظات وكان لها مقرر مخصوص سألني ماذا أحفظ؟ وكنت في صباح ذلك اليوم قد قرأت خطبة قصيرة للنبي صلى الله عليه وسلم فعلقت بذهني وألهمني الله أن أقول إني أحفظ خطبة للنبي، ففرح الشيخ جدا وخلع حذاءه وصاح (قل يا شاطر، قل يا شاطر فتح الله عليك) وسترني الله فلم أخطئ، واكتفى الشيخ بهذا وأعفاني من النحو والصرف والإعراب).
وقد التقى المازني بالشيخ مرة أخرى. وكان اللقاء في هذه المرة عاصفا، تجلى فيه غضب الشيخ الحليم وتحفز الطالب الطلعة. ولا بأس أن نورد هنا حديث ذلك اللقاء وإن كنا نسبق بذلك ترتيب الحوادث قليلا؛ فقد كان المازني يوم ذاك في آخر عهده بمدرسة المعلمين، وكان يؤدي الامتحان النهائي للتخرج، وكانت لجنة الامتحان الشفوي في اللغة العربي برياسة الشيخ حمزة ومن أعضائها الشيخ عبد العزيز شاويش والأستاذ عاطف بركات. .