ريحا شديدة إلى البحر فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر. فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد إلى إلهه وطرحوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر ليخففوا عنهم. وأما يونان فكان قد نزل إلى جوف السفينة واضطجع ونام نوما ثقيلا. فجاء إليه رئيس النوتية وقال له: ألك نائما. قم اصرخ إلى إلهك عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك. وقال بعضهم لبعض: هلم نلقي قرعا لنعرف بسبب من هذه البلية. فالقوا قرعا فوقعة القرعة على يونان. فقالوا له: أخبرنا بسبب من هذه المصيبة علينا. ما هو عملك ومن أين أتيت؟ ما هي أرضك ومن أي شعب أنت؟ فقال لهم: أنا عبراني وأن خائف من الرب إله السماء الذي صنع البر والبحر. فخاف الرجال خوفا عظيما وقالوا له: ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنا. لأن البحر كان يزداد اضطرابا. فقال لهم: خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم لأنني عالم أنه بسببي هذا النواء العظيم عليكم). . (ثم أخذوا يونان في البحر فوقف البحر عن هيجانه، فخاف الرجال من الرب خوفا عظيما وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذورا: وأما الرب فأعد حوتا عظيما ليبتلع يونان، فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال).
وبعد أن يسرد سفر (يونان) صلوات (يونان) في جوف الحوت يقول: (وأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر).
فهاتان القصتان على ما فيهما من حمل المفسرين الأقلام فيهما والمساهمة على معنى أزلام الجاهلية، لا ريب أن ما فيهما من صنيع هو بعيد كل البعد عن صنيع أهل الجاهلية فيما كانوا يجعلون لتلك الأزلام من قداسة ومن شرائط دينية وتقاليد خاصة، وإنما هاتان ضرب من (القرعة) لا يزيدان عن تلك شيئا ولا ينقصان شيئا.
والنص الذي سقته من سفر يونان مؤيدا أنها قرعة بعيدة عن الاستقسام الوثني.
التمرد على الأزلام
وقد بدت ظاهرة من ظواهر التمرد على تلك الأحكام الدينية في ما رواه بن الكلبي من أن أمرؤ القيس بن حجر أقبل يريد الغارة على بني أسد، فمر بذي الخلصة - وكان صنما بتبالة - وكانت العرب جميعا تعظمه، وكانت له ثلاثة أقداح: الآمر، والناهي، والمتربص. فاستقسم عنده ثلاث مرات فخرج (الناهي) فكسر القداح وضرب بها وجه الصنم وقال: