الابتدائية والثانوية!. ويستطيع العميد أن يراجع برامج دار العلوم منذ عام ١٨٧٢ حتى اليوم، فلن يجد حيفا من اللغة أو علما عدا عليها.
حتى ولو جاريناه في دعوته ونظرته لدار العلوم، وتفهمه لرسالتها على أنها تزويد المدارس بعدد صالح من المعلمين (فإن معلم اللغة العربية محتاج أشد الحاجة إلى أن يكون قادرا على أن يفهم الصلة بين مادة اللغة العربية وأصولها السامية الأولى، فيجب أن يدرس اللغات السامية درسا حسنا، وأن يتقن بعض اللغات الأجنبية الحديثة، وبعض اللغات الشرقية الإسلامية الحية، في شيء من التنويع والتخيير بين هذه المواد)، (فدراسة اللغات السامية دراسة قران، أصبحت الآن ضرورية لكل من يريد أن يلم بتاريخ اللغة العربية إلماما يشمل نشأتها وعوامل انتشارها، واللغات التي أثرت فيها وتأثرت بها، ولكل من يريد أن يدرس فقه اللغة عامة، وفقه اللغة العربية بوجه خاص، دراسة علمية دقيقة. إن طالب دار العلوم في حاجة إلى التزود بمعلومات كافية عن بعض اللغات السامية التي لها علاقة وثيقة باللغة العربية، أسوة بما هو متبع في أوربا، حيث تدرس اللغتان الإغريقية واللاتينية لاتصال اللغات الأوربية الحديثة بهما).
لقد استقبلت دار العلوم حياتها الجامعية من سبع سنوات مزهوة بماضيها، مؤملة في غدها، مقدرة لرسالتها، وكان اندماجها في الحياة الجامعية موضع فخار وإجلال، وتطورها السريع موضع تقدير وإكبار، رعت الأفذاذ من أبنائها فاستردتهم معيدين، وأرسلت بهم وراء البحار دارسين وباحثين، وهيأت لهم من حياتهم العلمية رشدا. . .
ثم، ماذا أقول!. . . إن الحسرات لترعى قلبي، وإن الحزن ليغشي جوانحي، ويكاد الألم يقتلع من عقلي ذكريات علمية عزيزة عليه، لأن الكلية التي شهدتها زاهرة ناضرة، واختزنت لها في حنايا نفسي أروع الذكريات وأنبلها، نكصت على عقبيها، فتراجعت القهقري، لتنطوي على نفسها بعيدا عن الحياة والناس، وأخشى أن يفوتها الركب. . .
لم يعد للنابهين من أبنائها فيها نصيب، فتوقفت عن تعيين المعيدين، وكل جريمتهم أنهم صغار السن شباب، وتوقفت عن إرسال البعثات، لأن سياسة (ليس في الإمكان أحسن مما كان) عادت تطل برأسها من جديد!
ثم أسلمت مكتبتها، مكتبة أعرق كلية تدرس العربية في الشرق - وللجامعة مكتبة - وبها