ضعف، وإن المسائل موضع الخلاف لا تعدو (همزة الوصل والقطع) والإعجام، واختلاف النظرة إلى الكلمة الواحدة، حين تكون العامية خفيفة سهلة، ومثيلتها العربية ثقيلة موحشة. . . لن نقول له إن المدارس اليوم تموج بأناس حظهم من الثقافة متواضع، وجهدهم في التحصيل ضعيف، ونظرتهم إلى التعليم مادية، وإيمانهم بالرسالة معدوم، وإن خريجي دار العلوم وسط هذه الأخلاط، قلة لا يسمع لها صوت، ومواهب لا يترك لها مجال!
لن نقول له شيئا من ذلك كله، لأن رسالة دار العلوم الجامعية يأتي فيها التدريس تبعا لا أصالة كما يقول الأصوليون، وإنما رسالتها أن تنير للطالب الطريق. . . طريق الكشف عن مجاهل الحضارة والثقافة، ثم تقول له سر على بركة الله، ليكتشف ويتأمل ويقنن، مشكورا أخطأ أم أصاب، ونحن جد سعداء، لأن دار العلوم الجامعية أمسكتنا أكثر من مشعل. وأنارت أمام عقولنا أكثر من طريق!
لقد جارينا العميد فيما ارتآه من أننا ضعفاء في النحو، لا تقريرا للواقع بل إسهاما في حل المشكلة، فليسمح لنا أن نخالفه أشد المخالفة، في أن مبعث ذلك هو اللغات السامية أو الشرقية أو التاريخ أو الشريعة، أو تزاحم مختلف المواد، ذلك أن واحدا من هذه العلوم، ليس جديدا في تقريره، وإن تطور في منهاجه، وأن محاضرات اللغة في نحوها وأدبها وفقهها لم تنزل عن المستوى الذي أنشئت عليه منذ أن كانت دار العلوم، بل إن منها ما استحدث كالأدب المقارن، أو خص بعناية في الوقت والدرس والمنهج كفقه اللغة، وإن الذين يطاولنا بهم في النحو من أساتذتنا في الدار وخارجها، كان نصيبهم من الدراسات السامية مضاعفا، فدرسوا العبرية والسريانية، على حين يدرس طلاب اليوم الأولى وحدها، ولم يمنعهم ذلك، إن لم يدفعهم، إلى أن يبرزوا في الميدان، وأن يسدوا إلى الفصحى خدمات جلى!
لقد توسعت دار العلوم في دراسة هذه المواد، ولكن هذا التوسع لم يكن على حساب اللغة أو قواعدها، وإنما كان على حساب علوم دست على الدوار لدوافع استعمارية، كان على حساب الطبيعة والكيمياء والهيئة والصحة والرسم والحساب والجبر والهندسة والجغرافيا، والأشغال اليدوية (!!) وهي علوم كان مؤسفا ومخجلا أن تدرس في معهد عال يعد المتخصصين في اللغة العربية، وأن يشغل بها الطلاب، على حين أن مكانها في المرحلتين