والوضوح، تعد بحق مرجعا من أوفى المراجع لمن يريد أن يكتب عن قضايا البلاد العربية والإسلامية.
ولم يقف جهد شكيب أرسلان عند التاريخ والسياسة؛ بل كتب عن العرب في الأندلس كتابا مستفيض الصفحات في تصوير الحضارة الإسلامية في ذلك الفردوس المفقود.
وكتب شكيب أرسلان كتابين في الأدب والتراجم غاية في القوة هما كتاباه عن شوقي وعن رشيد رضا.
ويتميز إنتاج شكيب أرسلان بالإسهاب والوضوح والجزالة والتدفق وبيانه غاية في القوة، لأنه يصدر عن قلب يخفق بحب الشرق والإسلام والعروبة، قلب المجاهد الذي عاش مهاجرا، تتمثل له في كل لحظة تلك المعالم الحية، التي يعيش فيها أهله وإخوانه وبني وطنه، وتلك الآلام التي يقاسونها في ذلك الكفاح المرير مع المستعمر والغاصب والمستبد.
أما محمود سامي البارودي، فهو ذلك الشاعر الذي نقل الشعر العربي من مدرسة إلى مدرسة. ونقل الوطنية المصرية من وضع إلى وضع. فهو على رأس الفريق الذي حرر الشعر العربي من قيوده التقليدية وفتح له باب التحديد الذي جرى فيه من بعد.
وكان من بين الفريق الذي وقف في وجه الظلم والطغيان، ظلم الحاكم المستبد وطغيان الاستعمار الغاشم، فكان أحد أولئك المجاهدين الذين حملوا لواء الثورة العرابية.
وقضى محمود سبعة عشر عاما من عمره في جزيرة سيلان منفيا ومبعدا عن وطنه الذي أحبه، قضاها أيضاً في جهاد، فهو لم يلبث أن دعا أهل سيلان إلى الإسلام وعمل حثيثا على نشر دعوته فيهم.
ثم عاد إلى مصر فلم يلبث أن فقد بصره وأمضى الأيام الباقية من عمره منقبض النفس مطويا حزينا.
وهو أول من أنشأ فن (رثاء الزوجة) في الأدب العربي الحديث، فلم يكن هذا اللون معروفا أو مقبولا من قبل حتى جاء محمود سامي البارودي فكتب قصيدته في رثاء زوجته، ثم جاء بعد ذلك عزيز أباظة وعبد الرحمن صدقي فمضيا في هذا الطريق.
ويلتقي شكيب أرسلان وسامي البارودي في ذلك المعنى الذي تحمله النفس المهاجرة لأمد طويل، فقد قضى كل منهما صدر حياته في المنفى، فلما عادا لم يلبثا طويلا.