ولقد كان الأستاذ عزيز أباظة وهو يستوحي التاريخ يتمثل حال مصر في عهودها البائدة، عالما بأسرارها مطلعا على خباياها لما له من خبرة ومنزلة، فتغلي مراجل غضبه ويثور الغيظ في قلبه فيسكبه شعرا تلمس فيه حرارة التأثر مما رأى وبلاغة التأثير فيمل فيمن يسمع ويروى.
ويذكر المؤلف في مقدمة المسرحية أنه نظمها قبل أن يبعث الله لمصر ٢٣ يوليو روحا طاهرا وثابا في جيشها الكريم فيتداركها من السقوط في هوة لا يدرك لها قرار. وما من شك أنه قد أضاف إليها شيئا قل أو كثر بعد هذا العبث الذي نشر مصر على أيدي أبنائها الأخيار.
كم شقيت مصر في عهودها البائدة وتعثرت في خطاها إلى المجد فلم يقلها من عثرتها أولئك المهيمنون عليها، ولم ينهضوها من كبوتها مخافة أن تحرمهم مما انغمسوا فيه من ترف السفهاء وشره الجبناء؛ وأراد الله أن يجعل نهايتهم فجعل في آذانهم وقرا فانكبوا يخضمون ويلغون لا تنغص عليهم لذاذاتهم هذه الأنات المكتومة والزفرات المحمومة. وزادهم الله ضلالا فجعل على أبصارهم غشاوة أعمتهم عن رؤية النذر والنظرات الصاعقة المتوعدة، وأملي لهم فساق لهم عبيدا بعيونهم على اقتراف آثامهم واجتراح كبائرهم فكانت الأقلام الحرة تقصفها القوة الغاشمة، والعزمات الأبية تكبلها القوانين الظالمة، والأفواه الناطقة تقفلها الأيدي الملطخة بدماء الأبرياء. ويا ويل الأمة المغلوبة على أمرها المنهوكة القوى بسبب ما يمتصه رؤساؤها من دماء أبنائها وهم يتطاحنون على السلطة ويتنافسون على بلوغ المناصب بكل الوسائل، فيكيد بعضهم لبعض، ولا يرضى هذا أن يجيء الخير على يدي ذلك، ويضيع أحدهم خيرا محققا في سبيل ما سيكون في بطنه يوم القيامة نارا تتلظى وفي الدنيا سبة وخزيا، لكنه حريص على المنصب ولو كان يكنفه الصغار وتحيط به الذلة والمسكنة. ومن حول الأمة أعداء طامعون في تمزيقها حريصون على استعبادها على توسيع شقة الخلاف بين أفرادها الذين تفرقوا شيعا وراء المتزعمين الضالين.
إن مسرحية غروب الأندلس ويصدقها التاريخ تعرض لكل هذا في حبكة فنية وتسلسل متماسك وبيان أخذ، ولن تقلب صفحة من المسرحية وأنت تقرأ، ولن تمر لحظات وهي