تمثل إلا رأيت وسمعت حكمة بليغة تقع على ما في نفسك موقع البلسم الناجع على الجراح الأليمة فلا تملك إلا أن تمنحها التقدير والإعجاب.
ولا تسكت المسرحية عن التعرض للمعاهدات التي يعقدها القوي مع الضعيف، وآثارها الوخيمة، وذلك التخريج والتأويل الذي يفسره صاحب القوة كما يشاء.
الأمر للأقوى يؤوله كما ... شاءت له الأطماع والأهداف
ولا يغفل عن الطرق الملتوية التي يسلكونها اكتسابا للوقت وهم يمدون حبال الآمال وخيوط الأماني الواهية فيسوق على لسان الحبر وزير فرديان وهو يخاطب إيزابلا.
لا تقطعي الأمر حتى ... تصح منا العزيمة
والخير أن تستمر ... المفاوضات العقيمة
تظل تلهى فتوهى ... عرى الأمور الجسيمة
ولم يفت الشاعر أن يصور لنا هذه النفسية الوضيعة بطريقة مرحة وهي تداهن وترائي وتغير آراءها وتتلون، زاعمة أن ذلك هو السياسة الرشيدة والله يعلم أنها الخسة والصغار. فالمسرحية تمثل لك ذلك في شخصية أبي القاسم وزير العرب في الأندلس أيام غروبها.
حتى الزواج بالفرنج ومساوئ الضرائر قد وجد له نصيبا في المسرحية وكان له في الغروب تأثير.
وبين هذا العبوس والظلام، وفي وسط هذه المحن والآلام، لا ينسى الشاعر في مسرحيته ذلك الحب ورقته، ورأى النساء في الدلال الذي قد يبعد الحبيب وقد يجره مطواعا وبين الاستجابة التي قد تدنيه أو تنئيه.
إن هذه المسرحية مسوقة لتكون عظة للشرق وعبرة، ولا خير فيمن لا يتعظ بماضيه، فإن الشرق في الواقع لم يصب بالكوارث ولم تتحيفه الخطوب تحيف المقراض، ولم يصبح نهبا مقسوما ولقمة سائغة لا تشجي عند ابتلاعها حلقوما ولا تغص حلقا إلا لتفرق كلمته. ويا ليت أعداءه حسبوا أهله جميعا فهابوهم، بل عرفوا أنهم شتى وأن يأسهم بينهم شديد.
وإذا كنت قد ذكرت لك طرفا مما في المسرحية فإن ما فاتني ذكره كثير. ولم أرد أن أسوق لك نماذج عديدة من حكمها الغوالي ما ذلك إلا لكي ترى وتسمع بنفسك، وعلى كل شيخ وشاب أن يعمل على رؤية المسرحية فهي للشيوخ زاجر وواعظ يدعوهم إلى أن يتركوا