ونشأت بين السجين وبين حراسه مودة وصداقة. وفي يوم من الأيام قال لهم كرد علي:(أيها الإخوان! إن ساعتي قريبة وليس يستطيع إنسان أن يفر مما قدر عليه، فسأترككم ولكني أريد أن أترك لكم أثرا تذكرونني به)
أرهف الأتراك آذانهم ليسمعوا، واستمر كرد علي يقول:(أيها الإخوان! منذ ثلاثة أعوام كنت من قطاع الطريق في منسر ميخالاكي. ودفنا بالقرب من هذه المدينة آنية مملوءة بالمال. ثم منعتنا ظروف الثورة والحرب عن أن نستردها وسأدلكم عليها فهي لكم)
كاد الأتراك أن يفقدوا وعيهم، وكان السؤال الوحيد الذي يخطر ببال كل منهم هو كيف يستطيع الوصول إلى مكان هذه الآنية. ورأوا أنهم لا يستطيعون ذلك إلا بإرشاد السجين نعسه. فلما أقبل الليل، فكوا الحديد على يديه ورجليه وربطوه بحبل ثم أطلقوه وساروا خلفه خارجين من المدينة.
قادهم من مكان إلى مكان فمشوا مسافة طويلة. وأخيرا وقف أمام صخرة عظيمة وقال: هنا تحت هذه.
وقف الأتراك يتدبرون. لما استقر رأيهم اخرج أربعة منهم الخناجر، وأخذوا يحفرون بها حول الصخرة. وبقى ثلاثة منهم في الحراسة. وجلس كرد علي فوق الصخرة ينظر ويترقب؛ ثم قال بعد مدة: ألم تجدوها؟ فقالوا كلا.
فأظهر أنه فقد صبره وقال: من أي نوع من الناس أنتم؟ حتى حفر الأرض لا تستطيعونه؟ إنني كنت أفرغ من عملكم هذا في دقيقتين. حلوا وثاقي وأعطوني خنجرا.
ففكر الأتراك ثم قالوا؛ أي ضرر في إجابته إلى ما يطلب؟ نحن سبعة. فلنحل وثاقه ولنعطيه خنجرا.
وما أغرب الشعور الذي شعر به عند ذلك! لقد تناول الخنجر وأخذ يحفر. وفي أثناء عمله أغمد الخنجر في صدر أحدهم وتركه في صدره واختطف من منطقة المصاب مسدسين.
وما يزال كرد علي إلى اليوم يقطع الطريق بالقرب من جاسا وقد كتب منذ أيام إلى حاكم المدينة يطلب إليه في مكان عينه خمسة آلاف ليقي، متوعدا بأنه إن لم يرسلها فهو ميت لا محالة.