الخالص. ولكن كيف يكون ظهور المعجزة إلزاما وحملا للمشركين على الإسلام؟
الحقيقة التي جرت عليها السنة الإلهية في الأمم السابقة، أن الأمة من الأمم إذا طلبت معجزة وحققت لها هذه المعجزة، ولم تؤمن بها وتنزل على مقتضاها، عجل الله لها الخسف والعذاب والإبادة. ومعنى هذا أن الأمة كانت بمنطوق المعجزة ومفهومها تحمل الناس على الإيمان برسالة الرسول الذي ظهرت على يديه، وإلا فالعقاب والإهلاك. أما الإسلام، فلأنه دين الحرية الذي لا إلزام فيه ولا حمل، ولأن المعجزة الكونية التي كان يتبعها الإيمان أو العذاب - فلم يستجب إلى ما طلبه المشركون من هذه المعجزات الكونية، حتى لا يكون ثمة حمل على الإيمان به ولا إلزام للمشركين أن يتبعوه.
هل لنا أن نعرف وجوه الجمال في هذا الدين التي كثر ما أغصينا عنها! وهل لنا أن نعرف المجاهدين الأبرار الذين أنفقوا أعمارهم وحيويتهم في سبيل الدين والوطن! وهل آن أن ترجع الحقوق المهضومة إلى أصحابها فيتسنموا الذروة اللائقة بهم! إن الدين قد أساء إليه أبناؤه المرتزقون، وإن الوطن قد غلي على أمره بفعل المهرجين أدعياء الوطنية، وها نحن أولاء الآن في عهد بوادر الكرامة والعدل والحرية، وما أظن هذا العهد يحرم المخلصين جزاءهم، ويجحدهم فضلهم، بل يرفعهم إلى مكانهم في الخالدين - الأحياء منهم والأموات سواء.