في بعض المدرسين الإنجليز. وتفصيل ذلك ما نرويه عنه:
(اتفق يوما - في آخر عهدي بالتعليم في الوزارة المعارف - أن قصدت إلى مدرسة دار العلوم، وكنت معلما بها، فألفيت ناظرها - وهو مصري - على بابها، فاستقبلني بالاحتجاج على تأخيري، فاستغربت وبينت له أنه لا يزال على موعد دروسي نصف ساعة. فصاح (من قال إننا نريد منك اليوم دروسا؟ إن جناب المستشار يطلبك! وقد بعث إليك رسولا فكيف لم تعلم؟) فطمأنته وطيبت خاطره وقلت (إني سأذهب إلى الوزارة بعد الفراغ من دروسي). فكأنما ألقيت على النار حطبا، فقد جعل يصيح على الباب وأمام المارة - (يا خبر أسود! وجناب المستشار حتى تفرغ! هل تريد أن تخرب بيوتنا؟ رح غليه حالا! الآن!). فركبني عفريت الشباب المتمرد، وكنت أكره هذا الناظر ولا أحترمه فأبيت أن أذهب إلا إذا أعطاني أمرا كتابيا بإعفائي من التدريس في ذلك اليوم. وقصدت إلى الوزارة فإذا على رأس السلم طائفة من كبار الموظفين المصريين فجعلوا يشيرون إلي كالمجانين ويأمرونني أن أجري. وكيف بالله كان يستطيع أن يجري من كسرت ساقه ولم يبرح بيته إلا منذ أسبوع؟. . وقابلت المستشار ومعه كبار الإنجليز وسألني عما أراد فجاوبته، وانصرفت وأنا أستغرب وأتساءل عن ذلك الغول الذي يرعب كل هؤلاء الرجال أين هو؟ ولاحظت وأنا منصرف أن رؤوسا أو وجوها تطل من الأبواب المواربة، ولا شك أنه أذهلهم أن يروا مدرسا صغيرا يدعى لمقابلة المستشار).
ولم يكن هذا الشعور من المازني تكلفا للعظمة أو تظاهرا بالاستخفاف، ولكنها طبيعته التي تملك عليه أمره في كل كبيرة وصغيرة. وكاد يستقيل من الوزارة حين بدا لهم أنها تنظر إلى المعلم نظرتها إلى طوائف (الموظفين) وأنها لا تقدر رسالته تقديرها الصحيح. ويروي أنه مرض يوما (. . فطلبت إجازة، وأبطأ الطبيب وشفيت قبل أن يحضر، فطالبتني الوزارة بتقديم شهادة طبية تثبت أني كنت مريضا، فكتبت إليها أنه لم يعالجني طبيب فعادة تطالبني بالشهادة الطبية، فكتبت أنبهها إلى أنها، في الواقع، تكلفني أن أحمل طبيبا على التزوير. وكثرت المكاتبات العقيمة فسئمت؛ فكتبت إليها أني معلم، وقد كان المسيح عليه السلام يدعي المعلم، وكان أرسطو يسمي المعلم الأول، وأني مؤتمن على عقول مائتي تلميذ وزيادة فيجب على الأقل أن أعد صادقا وإلا فإنني أوثر أن أستقيل من وزارة تنظر إلى