سيده! وأصبح الصباح فاستأنفت ألسنتنا هجوه وذمه. وكنت أشعر بعطف عليه ومرثية له، ولكني لم أكن أستطيع أن أذكر الحقيقة فأحول إلى نفسي كل هذا اللعن الذي ينصب على رأسه. ودنا مني الشاب قريبي الذي كان سبباً في كل هذا، وسألني همساً: (أتعرف حقيقة ما حصل أمس؟)
قلت: (لا. ولا أزال مستغرباً ما كان من هذا الوكيل)
قال: (إنه مظلوم!)
قلت: (يا شيخ! كيف يمكن أن يكون مظلوماً وقد رأيناه بأعيننا؟)
قال: (والله إنه لمظلوم!)
قلت: (ربما يا أخي! العلم عند الله!)
قال: (فينا من يكتم السر؟)
قلت: (لا تخف. إن صدري بئر لا قرار لها)
قال: لقد احتلت حتى جئت بشيء من اللحم والخبز، ولففته في ورقة، وكنت أريد أن أسعد به إلى أختي بالليل، ولكني اصطدمت بالظلام بواحد كان يريد أن يقتلني. . .)
فقلت مستغرباً: (يقتلك؟ لماذا!)
قال: لا شك إن هذا كان قصده، فقد كان همه أن يقبض على عنقي ويضغط، وكان يحرص على الصمت حرصاً شديداً، وعندي دليل آخر: ذلك أنه لم يكد يسمع صوت الوكيل يصيح (مين) حتى اختفى فجأة!)
فسألته: (وما منعك أن تستنجد؟)
قال: (وأفضح نفسي؟ ماذا يقولون عني إذا رأوا معي هذه الأطعمة؟ لقد كان كل همي أن أتخلص وأرتد إلى غرفتي)
قلت: (وكيف خطرت لك هذه الفكرةالسخيفة؟)
قال: (ليست سخيفة. أنها طبيعية، أول ما يخطر للمرء)
قلت: (وهل كان من الضروري أن تجئ بمربى وحلواء؟)
قال: لم أجئ بها. وهذا اللغز الذي يحيرني.)
قلت: فمن أين جاءت إذن؟ الوكيل طبعاً!)