للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن تحول دون النفاذ من نطاق إحدى الفكرتين إلى نطاق الأخرى، ذلك أن ما نسميه (الروح) - مثلا - لا يمكن أن نتصوره إلا حالا في جسم، وما نسميه الإرادة لا نعرفه إلا متمثلا في أفعال - وهكذا؛ فإن الثنائية لا تؤدي عند فيلسوفنا إلا إلى أحد أمرين: فإما القول بعدم الإدراك، وإما نفي المعرفة أو اللا إرادية.

وإذا كانت المشكلة على هذا الوضع غير قابلة للحل فلا يشك كروتشه في أن وضعها ذلك الوضع خطأ ينبغي تصحيحه؛ وتصحيحه هو في القول بوحدة الإلهام والتعبير. فالإلهام لا يمكن أن نعرفه إلا إذا ظهر في صورة تعبيرية، فهو والتعبير إذن شيء واحد، ولا إلهام إذن من غير تعبير. وهنا يسخر كروتشه ممن يدعي أن لديه أفكارا لا يستطيع أن يعبر عنها، أو أن في ذهنه لوحة لا يستطيع أن يرسمها، وينكر على هذا وذاك وجود ما يزعمانه من إلهام.

يبني كروتشه مبدأ وحدة الإلهام والتعبير على نفي الثنائية.

وليست المسافة بين نفي الثنائية وبين القول بوحدة الوجود بالمسافة الكبيرة عند كروتشه، فهو يرى أن فلسفة الجمال تساهم بمبدأ وحدة الإلهام والتعبير في بناء المبدأ الأكبر مبدأ وحدة الوجود. وعنده أن إبداع قصيدة من الشعر ينطوي على اللغز الأعظم الذي ينطوي عليه إبداع هذا الكون الكبير.

وبعد، فهذه لمحات من آراء بنديتو كروتشه في فلسفة الجمال، لا نزعم لها أنها أحاطت بهذا الجانب من فلسفته كما ينبغي أن تكون الإحاطة، ولكن إذا تيسر لهذه اللمحات أن تلفت القارئ العربي إلى هذا المفكر العظيم الذي لم ينل في بلادنا قسطه العادل من ذيوع الصيت فذلك حسبها وكفى.

الإسكندرية

جمال مرسي بدر

<<  <  ج:
ص:  >  >>