للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عنده هو الحالة النفسية أو الانفعال النفسي لدى الفنان المبدع ولدى غيره ممن يتذوق ما أبدعه الفنان. وعلى هذا يقول كروتشه إن الأشياء الجميلة والأعمال الفنية غير موجودة في ذاتها وإنما هي موجودة في نفوس المبدعين والمتذوقين.

وإذ ينتبه كروتشه إلى ما في القول بأن الأشياء الجميلة والأعمال الفنية غير موجودة في ذاتها من تناقص ظاهري يلجأ إلى علم الاقتصاد ليضرب مثلا يقرب المسألة من الأذهان فيقول: إن الاقتصاد لا يعرف للشيء في ذاته قيمة، وإنما القيمة هي وليدة العرض والطلب وليست وليدة صفات طبيعية في ذات الأشياء. وإذن فالاقتصادي الذي يبحث عن القيمة على هدى الصفات الذاتية للشيء يرتكب نفس الخطأ الذي يقع فيه من يبحث عن الجمال في المظاهر المادية التي تبدو فيها الأشياء الجميلة أو الأعمال الفنية.

ومن هذه التفرقة بين الأشكال المادية التي تتجلى فيها الأعمال الفنية وبين العمل الفني في ذاته يخرج كروتشه بمبدأ وحدة الفن؛ فهو يرى أن التمييز بين الفنون المختلفة إنما هو تمييز غير جوهري مرجعه إلى الشكل المادي الذي تبدوا فيه آثار مختلف الفنون كالأصوات في الموسيقى والألفاظ في الشعر والألوان في التصوير، أم في الجوهر فالفنون المختلفة التي جرى العرف على التمييز بينها تربطها وحدة قوية، لأن العمل الفني لا يتوجه إلى الحواس التي ترى أو تسمع، وإنما يتوجه إلى النفس البشرية في عمومها، وتأثيره في تلك النفس واحد وإن اختلفت الأشكال المادية التي تبدو فيها آثار الفنون ومن ثم فإن كروتشه لا يقر من يرون لكل فن من الفنون الجميلة قواعد استاتيقية خاصة به، ويرى أن فلسفة الجمال ينبغي أن تشمل بذات القواعد الفنون كلها لأنها في حقيقتها فن واحد.

هذا وإن عملية الإبداع الفني قد نالت من اهتمام كروتشه جانبا كبيرا؛ ولا غرو فهي من أهم المشاكل التي يتناولها الباحثون في الفن والجمال، وفي صدد الكلام عن الإبداع الفني يشير كروتشه إلى التفرقة المعتادة بين الإلهام والتعبير، ويرى فيها ذات المشكلة التي تتجلى في نواح أخرى من الفلسفة كما في مسألة الباطن والظاهر ومسألة العقل والمادة ومسألة الروح والجسم ومسألة الإرادة والفعل.

ومشكلة الإلهام والتعبير - منظورا إليها على هذا الوضع - هي عند كروتشه مشكلة لا تقبل الحل؛ لأن التفرقة المبدئية بين باطن وظاهر أو عقل ومادة أو إلهام وتعبير من شأنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>