للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولفظ (الاستخارة) عربي أصيل. قال ابن الأثير في النهاية: (والاستخارة: طلب الخيرة في الشيء، وهو استفعال منه، يقال: استخر الله يخر لك). وفي الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في كل شيء). وفيه أيضاً دعاء الاستخارة، وهو (اللهم خر لي)، أي اختر لي خير الأمرين، واجعل لي الخيرة فيه.

ولا ريب أن معنى الاستخارة أن يستلهم المستخير الله ليهديه إلى خير النجدين، ويأخذ بيده إلى أقوم الطريقين. وليس في هذه الاستخارة لجوء إلى غير الله، وليس فيها توسل بغيره لمعرفة الخير. ولم يؤثر عن السلف الصالح استخارة بغير معنى دعاء الله عز وجل أن يوفق للخير.

ولكن هذه التسمية أطلقت فيما بعد على ضروب من الاستشارة أشهرها:

١ - استخارة المصحف، بأن يفتح المستخير المصحف ليرى فيه ما يدله على الإقدام أو الإحجام، أو ليستبشر به أو يبتئس بقراءة أول ما يظهر له منه عند الفتح.

ويسجل التاريخ خبرا معزواً إلى الوليد بن عبد الملك - وكان فيما يذكر المؤرخون صاحب فسق وفجور - فيزعمون أنه أخذ المصحف يوما وفتحه، فأول ما طلع له (واستفتحوا وجاب كل جبار عنيد). فقال: أتوعدني؟! ثم علقه ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزقه، وهو ينشد:

أتوعد كل جبار عنيد ... فها آنذاك جبار عنيد

إذا لاقيت ربك يوم حشر ... فقل يا رب مزقني الوليد

ومعا شك بعض المؤرخين في هذه الرواية فإنها لا تدل بيقين أنه فتح المصحف ليستخير به أو يستقسم، فليس في نصها ما يقطع بذلك أو يرجحه.

ومما يجدر ذكره أن (الاستفتاح) في الآية الكريمة لا يمد بسبب إلى (فتح المصحف) بل المراد بالاستفتاح في الآية هو طلب النصرة. وفي الحديث: (أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين)، أي يستنصر بهم. أو المراد به طلب القضاء، كما في قوله تعالى: (فافتح بيني وبينهم فتحا)، أي احكم حكما.

٢ - ومن ضروب الاستخارة استعمال (المسبحة)، بأن يجري المستخير يده على حبات المسبحة ثم يقف بأصابع إحدى يديه عند واحدة منها، ثم يحرك أصابع اليد الأخرى من

<<  <  ج:
ص:  >  >>