للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تساعد على قيام الحياة وبالتالي العمل على تقدمها، فسكانها قليلو العدد في كفاح مستمر لأن الطبيعة قاسية عليهم وتأبى أن تجود بما يوفر لهم الحياة. هم لا يفكرون إلا في الحصول على القوت الضروري الذي يمنع عنهم ألم الجوع والملبس الضروري الذي يقيهم البرد! والمسكن اللازم لحياتهم، فاتخذوا من شحوم بعض الحيوانات غذاء لهم ومن فرائها ملبسا. ليس لديهم الوقت الكافي للتفكير والانتقال بالإنسانية إلى حالة أكثر رقيا وتقدما، وهذا ما نلاحظه في جماعات الإسكيمو في شمال أمريكا وجماعات اللابس في شمال أوربا. وإذا نظرنا إلى العالم من هذه الزاوية وجدنا المناخ عند خط الاستواء حارا لا يطاق ولا سيما في السهول الداخلية من القارات. وبقدر ما كانت الطبيعة قاسية في أقصى الشمال كانت سخية في هذه المنظمة الاستوائية، فالغابات الكثيفة بأشجارها وحاصلاتها المتعددة متوفرة. وبقدر ما بثت الطبيعة من نشاط في سكان الشمال؛ بثت الخمول والكسل في سكان خط الاستواء لسخاء الطبيعة، فهم ليسوا في حاجة للجد والنشاط للحصول على طعامهم وملبسهم ومسكنهم، غذ وفرت لهم الطبيعة كل ذلك بالقدر الذي لا يتصوره الإنسان بالقدر الذي يدفعهم إلى الإفساد وعدم شغل الذهن بالتفكير في المستقبل وحاجاته. لذا عاشوا في كسل وخمود عام كما عاش سكان الشمال في جهد ونشاط مستمر دون أي راحة أو استجمام. ولهذا لا تنتظر أن يكون لسكان الجهات القطبية والاستوائية أي نوع من السيادة التاريخية؛ فكل منهما مشغول بحالته الخاصة وكل منهما له ما يلهيه عن الانتباه لما يدور حوله من نزاع بين الأمم من أجل السيادة العالمية.

إذن فالموطن الأول للسيادة العالمية هو الجهات المعروفة بمناخها المعتدل الواقعة في النصف الشمالي الشرقي من الكرة الأرضية. ففي هذه الجهات نشأت الشعوب القديمة ذات الحضارة والسيادة ومنها انتقلت إلى بقية العالم؛ إذ لها من اعتدال مناخها ما يدفعها إلى العمل للحصول على لوازم الحياة دون إجهاد أو إرهاق فوجدت لديها من الفراغ الضروري ما دفعها إلى التفكير وشغل الذهن بما سار بالإنسانية إلى الأمام، ولها من موقعها الجغرافي ما ساعد على اتصال سكانها في وقت لم تصل فيه المواصلات إلى ما هي عليه الآن، وبذلك تم السير بالحضارة الإنسانية من حسن إلى أحسن. في هذه الجهات نشأت الحضارة المصرية والبابلية والآشورية والفينيقية والفارسية والهندية والصينية والإغريقية والرومانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>