للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والعربية.

وحتى هذه الحضارات التي سبق ذكرها لم تكن كلها من نوع واحد، بل اختلفت فيما بينها من حيث الأصول والمميزات والنتائج، ولا يصعب علينا فهم هذا الاختلاف إذا عرفنا العوامل الجغرافية التي لعبت دورها في كل منها. فهذه مصر لولا النيل لكانت صحراء ولما كان لأهلها ذكر في التاريخ. ولولا موقعها الجغرافي الفريد بإشرافها على العالم القديم وتحكمها في طرق مواصلاته بسواحلها الشرقية والشمالية ما استفادت من غيرها ولا أفادت. وبقدر اتصالها بالعالم الخارجي كانت الصحراء الشرقية والصحراء الغربية وجنادل النيل في الجنوب والبحر في الشمال خير واق لأهلها من الغزو والفتح في الوقت الذي انصرفوا فيه إلى تكوين حضاراتهم فنمت في أمن؛ حتى إذا ما شبت تعدت هذه الحدود إلى جيرانها وكونت أول إمبراطورية عرفها التاريخ أيام تحتمس ورمسيس.

وهناك في أقصى الشرق من القارة الآسيوية نشأت الحضارة الصينية القديمة بعد أن اتخذت حوض يانج تسى مهدا لها، وكانت لها في هذه الهضبة الغربية خير حماية من خطر غزو القبائل إذا قلت الأمطار في وسط آسيا؛ وكانت لها أيضاً في مياه المحيط الهادي بأتساعه ما يحميها من خطر الغزو البحري. ولم تكن اليابان قد ظهرت كقوة بحرية تهدد الصين في حياتها إلا في العصر الحديث، لذا عاش الصينيون في أمن من الغزو الأجنبي ووجدوا في خصوبة أرضهم وكثرة إنتاجها ما دفعهم إلى التأمل والتفكير والإنتاج فكانوا خير منتجين، وكانت فلسفتهم وحكمهم صورة ناطقة بحياتهم الهادئة الوديعة، حتى إذا شعروا بالخطر يتهددهم من الشمال الغربي وجدوا في أحجار الهضبة المجاورة لهم خير معين لبناء سد لوقايتهم فأخرجوا لنا سورهم العظيم الذي اعتبر من عجائب التاريخ.

وفيما بين مصر والصين قامت حضارة أخرى. . فهناك في الهند حيث سهول نهر الكنج ونهر السد بخصوبتها حيث جبال الهمالايا المعروفة بارتفاعها وصعوبة مسالكها وجد الأهالي فيها خير مساعد على حمايتهم من الغزو وبرودة الرياح الشمالية؛ كما وجدوا في مياه المحيط الهندي التي تحيط بشبه جزيرتهم مثل هذه الحماية؛ فعاشوا في أمن وسلام مع شيء من الجد والنشاط، فأخرجوا لنا فلسفة خاصة كانت حلقة هامة في طريق الأديان السماوية. ولكن كان لا بد أن تستهدف الهند للغزو والفتح كما استهدف غيرها، وكانت لا بد

<<  <  ج:
ص:  >  >>