للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بها، شكراً على تلك النعمة: فمن الكفر بها أن تتخاذل الجماعة عن الدفاع عنها؛ واستخراج كنوزها.

ثم طلب الاتحاد بعد ذلك من أبناء الإنسانية جميعاً، وفي سبيله ناداهم بوصف الإنسانية العام، وأعلنهم بوحدة الأصل الذي يجمعهم في رحم عامة واحدة (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منها رجالاً كثيراً ونساء) (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).

هكذا طلب الإسلام (الاتحاد) وجعل لكل جماعة من هذه الجماعات حقوقاً خاصة تساهم فيها أفرادها، وتتعاون عليها، دون أن تطغي حقوق على حقوق، وهذا هو دين الله ونظامه الذي أمر الناس أن يتمسكوا به، ويستظلوا بظله، وحذرهم أن يتفرقوا فيه (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ) وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

وبهذا قضي الإسلام فيها بين الناس على نوازع العصبية: الجنسية، والإقليمية، والحزبية، والأُسرية. وجعل من بني الإنسان وحدة عامة شاملة، تعمل لغاية واحدة، هي: عمارة الكون على نحو يملؤه بالأمن والاستقرار، ويكون مظهراً لرحمة الله بعباده.

وإذا اتحدت القلوب هكذا، وتبادلت الشعور بالحاجة، لزم لاستثمار هذا الاتحاد في الوصول إلى الأهداف، تنظيم القوى، وسيلة توجيه كل قوة إلى العمل فيما تحسن وتجيد؛ فقوى العلم للعلم، وقوى التجارة للتجارة، وقوى الزراعة للزراعة، وقوى الصناعة للصناعة، وبذلك تسند الشؤون إلى أربابها، ولا يطغي ذو شأن على ذي شأن، فتضطرب القوى وتصطدم الرغبات، وتصاب الجماعة بالكساد وشلل الإنتاج. وذلكم هو (النظام) الذي بنى الله عليه كونه، وجعل لكل عنصر من عناصره في أرضه وسمائه عمله الخاص، وإنتاجه الخاص، ثم لفت إليه نظر الإنسان ليتخذ منه المثال الذي يحتذ به في حياته. وأُنظر نظام الله في كونه:

للشمس الضياء، وللقمر النور وسحاب المطر، ثم للوحي ملك، وللجبال ملك، وللنفخ في الصور ملك، وللأرض الزرع والسكن، وللماء في الأنهار والبحار الري والسقي، وللإنسان في الأرض السعي والعمل، وللجماد والحيوان التسخير. (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار

<<  <  ج:
ص:  >  >>