للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذا مقربة، أو مسكيناً ذا متربة، ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، أولئك أصحاب الميمنة).

ومنع أن يسخر الإنسان بالعمل والخدمة، وأن يتخذه آلة في سبيل شهوته وهواه، وجعل قيام الناس بالقسط، وتمكين كل ذي حق من حقه - فردا كان أم جماعة - الهدف الذي جاءت به الرسل، ونزلت لأجله الكتب (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط).

وإذا كملت للإنسان حريته في عقله وإرادته، واستقام له أن يفكر وأن يريد، وارتفعت عنه يد الضغط والتسخير، وجب عليه أن يخطو الخطوة الثانية، فيطهر نفسه من الأخلاق الرديئة التي تنزل بإنسانيته عن المستوى الذي كرمها الله به، والتي تفسد عليه وجوه الانتفاع بحريته؛ فلا يحقد، ولا ينافق، ولا يجبن، ولا يبخل، ولا يشي، ولا يكذب، ولا يخون، ولا يرجف.

وعنصر التطهير الخلقي كان من أوائل ما وضع في مهمة الرسالة المحمدية (قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستكثر، وربك فاصبر).

وقد بينت الرسالة عليه جميع أحكامها حتى حرمت الغش، والاستغلال، والتغرير في المبادلات المالية.

وإذا كملت للإنسان حريته، وطهرت نفسه كما أمر الله، صار لبنة صالحة لبناء مجتمع فاضل، منه ومن أمثاله الذين كملت حريتهم وطهرت نفوسهم، وبتساند تلك اللبنات الصالحة، وتعانقها، تصير الجماعة قوة واحدة، لها شعارها، ولها هدفها، يؤثر الفرد فيها حاجتها عن حاجته، وترى هي أن حاجة الفرد من حاجتها، وذلكم هو الاتحاد المجمع للقوى، المحقق للتعاون، وقد طلبه الإسلام في الجماعات كلها، صغيرة كانت أم كبيرة: طلبه من أبناء الأُسرة الواحدة (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وطلبه من أبناء الدين الواحد (إنما المؤمنون إخوة. والمؤمنات والمؤمنون بعضهم أولياء بعض). وطلبه من أبناء الوطن الواحد (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش، قليلاً ما تشكرون). امتن على الجماعات الإنسانية بأن مكن كل جماعة منها في أرضها وإقليمها، وبأن وهبهم فيها موارد العيش والرزق والحياة، وأوحى إليهم بالمحافظة عليها، واستثمارها، والانتفاع

<<  <  ج:
ص:  >  >>