للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كعادته هذا الرجل، وأننا قد أشرفنا على أمره قد كتب الله علينا فيه: أن نجاهد في سبيله، ثم في سبيل الحق والحرية والعدل، لأننا نحن أبناء الحق والحرية والعدل، قد أرضعنا الدهر بلبانها منذ الأزل البعيد.

ثم ختمت كلامي بهذه الفقرة: فأنا إن كتبت، فإنما أكتب لأتعجل قيام هذا الرجل من غمار الناس، لينقذنا من قبور جثمت علينا صفائحها منذ أمد طويل. وليس بيننا وبين هذا البعث إلا القليل، ثم نسمع صرخة الحياة الحرة العادلة، يستهل بها كل مولود على هذه الأرض الكريمة، التي ورثناها بحقها، ليس لنا في فترمنها شريك).

كتبت هذا يومئذ، والناس في ظلمة ليل بهيم. ومنذ ذلك اليوم والأحداث في الشرق العربي والإسلامي آخذ بعضها برقاب بعض. وحركت الأحداث المتتابعة نواعس الآمال، فهبت تمسح من عيونها النوم المتقادم. ثم حملقت في أكداس الظلام المركوم، فأوهمتها اليقظة أن الظلام من حولها يومض من بعيد ببصيص من نور. فتنادت الصيحات بانقشاع الظلم: وا فرحتاه! وصرخت أنا في محبسي: وا حسرتاه! أعمى رأى الظلام نهارا!

كانت الدنيا يومئذ ظلاماً، ونعرفها نحن ظلاما. والمعرفة دائماً تفضي إلى خير. ثم أصبحت الدنيا أشد ظلاما. ونتوهمها نحن نورا ينبثق. والتوهم عماده الكذب. ولا فلاح لشيء إلا بالصدق وحده.

لقد طرأت على هذا العالم العربي والإسلامي طوارئ، فإذا لم يصدق نفسه فلا نجاة له. واحتوشته الأمم المفترسة بأساليبها الظاهرة والخفية. فإذا لم يصدق النظر فلا خلاص له. لست قانطاً ولا مقنطاً. كما يتوهم من يحب أن يتوهم. ولكني أرى بلاء نازلاً بنا. ونحننخوضه كأنه رحمة مهداة. وبئس ما نفعل؟ وبئس مطية الأعمال الكذب.

من حيث أتلفت أرى وجوها تكذب، ووجوها مكذوباً عليها. وأسمع أصواتاً تخدع، وآذاناً مخدوعة بما تسمع. وأقرأ كلاماً غمس في النفاق وفي التغرير غمساً. وألمح في عيون المساكين ممن قرءوه غفلة تتلألأ بفرحة ولكنها فرحة لا تتم عليها إلا بالعمى المطبق عن الحق والصواب. إن هذا كله إعداد للمجزرة الكبرى. حيث تذبح الآلاف المؤلفة منا بمدى حداد استخرج حديدها من معدن القلوب المضطغنة بالعصبية، المنهومة بالمنفعة. وأمهاها ماء الحقد الصليبي الوثني؛ وأرهفت بلذة الفتك الذي لا تطفأ ناره.

<<  <  ج:
ص:  >  >>