للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأي قلم، وبأي صوت؟ ولكنه، على ذلك كله واجب، وإن كان جهد لا ثمرة له! وهو كذلك، وإذن فليس لي أن أسأل نفسي: فيم أكتب؟ ولم هذا العناء والنصب؟ وعلام أزهق أيامي في باطل لا ينقشع؟

وإذن فقد كتب على أن أنصب وجهي لهذا الشقاء الصبيخود، لا أبالي أن أحترق، ولا أحفل أن أعود سالماً، ولا آبه لما يصيبني، ما دام حقاً علي أداؤه.

إنها أيام بلاء ومحنة: من عدونا حيث بلغ منا كل مبلغ، من أنفسنا، حيث صار كل امرئ منا عدو نفسه وعقله، عدو تاريخه وماضيه، عدو مستقبله من حيث يدري ولا يدري. وإنها أيام ضلال وفتنة، تدع الحليم الركين حيران، بلا حلم ولا ركانة، تدع البصير المهتدي، أعمى بلا بصر ولا هداية. تدع الصادق الحازم، غفلاً بلا صدق ولا حزامة. ولكنها على ذلك كله، كتبت على الحليم الركين، وعلى البصير المهتدي، وعلى الصادق الحازم - أن يعيش في شقائها بلا ملل، وأن يكون فيها كما قال شاعر الخوارج، عمران بن حطان، في أهل الدنيا:

أرى أشقياء الناس لا يسأمونها ... على إنهم فيها عراة وجوع

فمنذ حملت إليك هذا القلم، استجابة لدعوة لم أجد ردها من الأدب ولا من الوفاء في شئ، عرفت أني سوف أكتب كما كتبت قديما، لأتعجل انبعاث رجل من غمار أربعمائة مليون من العرب والمسلمين، تسمع يومئذ لحكمته الأجنة في بطون أمهاتها، وتهتدي بهديه، الذراري في أصلاب الآباء والأمهات.

ولكنك بعد، قد أنزلتني بحيث يقول القائل:

حيث طابت شرائع الموت، والمو ... ت مراراً يكون عذب الحياض

فأنا إن شاء الله بحيث أحببت لي أن أنزل، والسلام.

محمود محمد شاكر

<<  <  ج:
ص:  >  >>