الغابة ما يؤهلها له الظفر والناب. فمبادئ الحضارة الغربية هي هذه كما كانت وكما هي كائنة، وما ستكون حتى يأذن الله لها بالفناء
كلا! إنما أنا أتلفت إلى شعوبنا وحكوماتنا ومفكرينا وكتابنا وشعرائنا وجماعاتنا وجمعياتنا. . ألفت إليهم لأرى هل سكتت الأبواق التي تهتف بحمد الحضارة الغربية؟ هل خرست الألسن التي تتحدث عن الصداقة الأمريكية والصداقة الإنجليزية والصداقة الفرنسية؟ هل انزوت الجماعات والجمعيات التي تحمل ألوية الصداقة مع (العالم الحر) وتشيد بجهوده في الخدمات الاجتماعية والتعليم الأساسي واليونسكو والنقطة الرابعة وسائر الوسائل الاستعمارية الحديثة التي تنجز في صخرة المقاومة الشعبية؟
أتلفت لأرى هذه الأبواق لا تزال مفتوحة، ولأرى هذه الألسنة ما تزال طليقة، ولأرى هذه الجمعيات والجماعات ما تزال تتبجح وتعلن عن نفسها بلا حساب، وتنفق الأموال الضخمة في هذا الإعلان، والدولار من خلفها يمكن لها من العمل ويمكن لها من الإعلان!
إن (العالم الحر) لا يحاربنا بالمدفع والدبابة إلا في فترات محدودة؛ ولكنه يحاربنا بالألسنة والأقلام ويحاربنا بالمنشآت البريئة في مركز التعليم الأساسي، وفي هيئة اليونسكو، وفي النقطة الرابعة؛ ويحار بنا بتلك الجمعيات والجماعات التي ينشئها وينفخ فيها ويسندها ويمكن لها في المراكز الحساسة فيبلادنا. . . وأخيراً فإنه يحاربنا بأموال أقلام المخابرات التي تشتري الصحف والأقلام، وتشتري الهيئات والجماعات.
وواجبنا نحن أن نكافح، واجبنا أن نكافح الوسائل الاستعمارية الحديثة، ونكافح الهيئات والجماعات والمؤسسات التي تيسر العمل لهذه الوسائل: مهما كانت أسمائها بريئة إن الاستعمار الروحي والفكري هو الاستعمار الخطير حقاً. فاستعمار الحديد والنار يثير المقاومة بطبيعته، ويؤرث الأحقاد القومية التي تقتلع الاستعمار من أساسه. أما الاستعمار الروحي والفكري فهو استعمار ناعم لين، مخدر، ينوم الشعوب ويستل أحقادها المقدسة التي يجب أن تتأجج، وتستحيل ناراً وشواظاً يحرق ويدمر الاستعمار عملاءه في يوم من الأيام.
لقد قام بيننا في وقت من الأوقات رجل يسمى (أمين عثمان) يحمل لواء الصداقة الإنجليزية في فجور وتبجج، ويؤسس جمعية نادي العلمين. كما قامت في ظله (جماعة إخوان الحرية). ولقد هرعت الشخصيات الكبيرة يومها إلى أمين عثمان وجمعيته. الشخصيات