القصيدة الشعرية المتينة فقد يكون فيها ما يدخل في دائرة الميراث الخيالي للناس.
وهكذا نرى أن المسألة في جوهرها ليست مسألة تقليد ومحاكاة لأهل الغرب، فلقد أدى أتساع التعليم إلى اتجاه ميول القراء إلى نواح أخرى. ولما نشأت تلك الحالة في أوربا عمد الكتاب إلى القصة ليقابلوا بها ميول القراء، ونستطيع أن نقول إنه ما لم يتسن للكتاب المصريين إيجاد القصة فسيستمر اتجاه القراء في مصر إلى الأدب الأوربي، فإن المقالة أو الموضوع الأدبي أقل من أن يفي بالغرض الذي يسعى إليه القراء.
أما القول بأن إدخال فن من فنون الكتابة لم يكن موجوداً من قبل قد يكون فيه مساس بكرامة الشعب الأدبية فرأي مبني على التطرف والمبالغة، وهل أدى إدخال القصة في الأدب التركي أو الهندي إلى الحط من كرامتها؟ كلا. ومن أجل ذلك نرى القصة المصرية تنشب جذورها في تربة الأدب المصري في ثبات مهما صادفت من صعاب ونكران للجميل.
ولكن القصة لا تصل إلى تمام نموها، إلا إذا وافقت بيئة البلاد الاجتماعية، ومن هنا تنشأ المشكلة الرئيسية.
إذا وضعنا جانباً تلك العوامل الاجتماعية التي تكلمنا عنها فإن كتاب القصة في مصر قد وجهوا بمشكلة أخرى أشرنا إليها في مبدأ هذا البحث وهي خلق (فن اصطلاحي حديث) للقصة. ونستطيع أن نتبين في كتابات المنفلوطي وجورجي زيدان بعض المحاولات في هذا السبيل ولكن من حيث الأسلوب فقط، الأول بطريقته والثاني بسهولة عبارته، ولكن كلاهما لم يتعرض للنقطة الأساسية، وهي الوصول إلى تمثيل الحياة الاجتماعية الراهنة تمثيلا صحيحاً في الألفاظ وطريقة التعبير عما في النفس وعلى الأخص في الحوار.
على أن هذه المهمة قد وجدت من أشتغل بها من كتاب القصص القصيرة وأقدمهم في ذلك هو محمد تيمور (١٨٢٩ - ١٩٢١) ويمنعنا ضيق المجال هنا من أن ندرس بالتفصيل آثار تلك الطائفة، ولذلك نكتفي بأن نشير نقطة من أهم النقط التي تعرضوا لها وهي الطريقة التي جروا عليها في أسلوب الحوار.
وهنا ينبغي أن نذكر أن مشكلة الأسلوب الواجب إتباعه في الحوار لم تكن مقصورة على الأدب العربي ولكنها ظهرت في كثير من آداب الممالك الأوربية وبخاصة في تلك الممالك