تستطيع أن تختصرها في معنى واحد هو المحور الكبير الذي ندور حوله منذ البداية، ونعني به (التذوق الشعوري) الكامل في الأثر الفني حين يتحول إلى تجربة داخلية كاملة في النفس الإنسانية!) هذا هو ما قلناه عن مورياك في عام ١٩٥١، وها نحن نعيده اليوم لأن الكاتب الفرنسي قد ظفر بجائزة نوبل للأدب عن عام ١٩٥٢، ولأن الأكاديمية الملكية السويدية قد خصته بهذه الجائزة (لما يمتاز به أدبه من تحليل عميق للنفس، ولما يتسم به فنه القصصي من قدرة على التعبير عن الحياة الإنسانية). إنك حين ترجع إلى هذا الميزان الذي أقمناه لفن مورياك ونحن نتحدث عن الأثر الفني بين الفهم والتذوق، ثم تعود إلى هذا الميزان الآخر الذي أقامته له الأكاديمية الملكية السويدية وهي في معرض التقدير والتبرير، لا تكاد تجد فارقاً بين الميزانين إلا في الألفاظ المعبرة تبعاً لاختلاف الصور وتنوع الأساليب!
ومع ذلك فإن هناك ضجة في فرنسا حول هذه الجائزة الضخمة التي ظفر بها مورياك؛ ضجة يثيرها خصوم الكاتب الفرنسي من الأدباء والنقاد: يقول الوجوديون إنه كاتب (ذاتي) ولم يكن في يوم من الأيام من الكتاب (الملتزمين)! ويقول الشيوعيون إنه كاتب (رجعي) ولم يكن في يوم من الأيام من الكتاب (التقدميين)!
ويقول فريق ثالث غير هؤلاء وأولئك إنه كاتب (متأمل) وليس بالكاتب (المفكر)! ولهذه الأسباب مجتمعة ومتفرقة يتهم مورياك ويعترض عليه ويثار من حوله الغبار، أما أنهكاتب ذاتي فهذا حق لا مراء فيه وإنه ليعترف بهذه الذاتية، وأما أنه رجعي فحق آخر لا يحتمل الجدل وإن لم يشأ هو أن يعترف به لأنه خصم للشيوعية، وحين نصل إلى المرحلة الثالثة من مراحل الاتهام لا نجد فيها شيئاً من التجني والمغالاة. ولكن هذا كله لا يبرر هذه الضجة التي يقصد منها أن الرجل ليس أهلاً لهذا التقدير. . لقد كان أندريه جيد يلتقي معه في كثير من هذه الخصائص التي يسلكونها في عداد المآخذ والعيوب: كان من أدباء الخواطر والتأملات ولم يكن من أصحاب المذاهب والأفكار، وكان من الكتاب الذاتيين الذين يدورون بأدبهم حول المشكلات الفردية ثم لا يطيقون الوقوف عند مشكلات المجتمع العام، ومع هذا فلم يلق جيد شيئاً من الاعتراض يوم أن ظفر بمثل هذه الجائزة الضخمة التي ظفر بها مورياك!