المسرحية القصيرة أكثر مشقة على المؤلف، وأشد تضييقاً عليه بحكم قصرها وقلة أشخاصها ومناظرها عن المسرحية الطويلة، وتوشك المسرحية القصيرة أن يكون لها القدح المعلى في العصر الحديث؟ أغلب الظن أن المؤلف لم يجد بداً من هذه التسمية وهو يقدم هذه الفصول إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، أو أنه استشعر الحرج إن هو سماها باسم جديد لم يألفه الناس فجنح إلى السلامة وتكلم باللغة المألوفة عند الناس - وهو يضمر غير ذلك - ثم أخذ يبحث عن الأسباب هنا وهناك! وأخذ يؤكد للناس أن الحكمة في جمع هذه الصور المتعددة في صعيد واحد أن ذلك (ما يساعد على إظهارصور المجتمع في أضاعه العديدة المختلفة) وذلك قول مردود؛ فليس المهم في المسرح أن تكثر المعروضات وتزدحم الموضوعات فهذا ميدانه الملحمة لا المسرحية، وقد يتناول المؤلف المسرحي غريزة واحدة أو معنى واحد فيقيم عليه مسرحية ضخمة، تنبثق منه العبرة، ويفيض على جوانبها الفن والجمال، كما فعل شكسبير مثلاً حيث تناول غريزة (الغيرة) فأقام عليها مسرحية عطيل، غريزة (الجشع) فأقام عليها مسرحية مكبث، وغريزة (الانتقام) فأقام عليها مسرحية هملت، وغريزة (الحماقة) فأقام عليها مسرحية الملك لير، والمسرح (لقطة) واحدة من الحياة تعيشها ساعتين أو ثلاثاً متحداً مع ما تراه، مندمجاً فيه بقلبك وعطفتك، وليس المسرح (معرضاً) كبيراً أو (موكباً) ضخماً يمر بك وأنت منفصل عنه تراه بنظرك ولا يستطيع قلبك وعاطفتك أن يتابعاه!
ولقد كتب الأستاذ توفيق الحكيم هذه المسرحيات بلغة أقرر أنها المسرح حقا، كتبها باللغة العربية السمحة السهلة المشرقة التي لا تعلو على إفهام السواد الأعظم من الناس، والتي لا تزيد على ما يتكلمونه إلا خطوة ضئيلة هي أقصر خطوة - فيما نعرف - بين العامة والعربية، وذلك أمر ليس - كما يتصوره البعض - سهلاً ميسوراً؛ فإن تقريب العربية إلى العامية مع المحافظة على سلامتها ونقائها وإمكان أن يفهمها الناس جميعا، أمر فوق أنه لا غنى عنه في لغة المسرح، فهو عسير غاية العسر، وقد استطاعه - إلى حدكبير - صديقنا الأستاذ توفيق الحكيم كما استطاعه صديقنا الأستاذ علي أحمد باكثير.
هذا أمر أشهد به ويسرني أن أشهد به، وأرجو أن يعلم المؤلفون المسرحيون أن الجزالة والفخامة وضخامة الألفاظ وغرابتها ليست من المسرح في شئ. . وإن كنت ما أزال أرجو