المزيد من الأستاذ توفيق الحكيم؛ وآخذ عليه بعض كلمات كان الأولى أن يتجنبها، كقوله (مقدم الصداق) ولو قال (المهر) لكانت أيسر، وكقوله (إنني أثيرة عندك) ولو قال (إنني مفضلة عندك أو إنني عزيزة عليك) لكان أقرب، وكقوله (وهكذا دواليك) وهذه عسيرة جدا على المسرح ولو قال (وهكذا تدور أو هكذا تمضي الأيام) لكان أخف كثيراً. على أنني أرجو كذلك أن يجمع الأستاذ إلى سهولة اللغة سلامتها من فساد قد يكون أضفاه عليها العرف، فهو يقول مثلا (إن رزقه محدود لا يكاد يكفي لفتح هذا البيت) وكلمة (فتح بيت) هذه قد أعطاها العرف معنى غير كريم فكان أولى أن يتجنبها المؤلف. . ولقد أسلم المؤلف هذه المسرحيات بلغتها السمحة السهلة التي يقرؤها الناس في كتابه (مسرح المجتمع) إلى ممثلين أبوا - كما حدثنا الأستاذ المؤلف - إلا أن ينزلوا بها إلى العامية اعتقاداً منهم أنها عسيرة على إفهام الناس وأنهم لن يستطيعوا متابعتها، وقد تنتهي ذلك بالإعراض عنها، ولكنهم في ذلك جد مخطئين.
أما المسرحية الأولى (دنيا المبادئ) فتقوم على رجل لا تستهويه المادة وهو أشد الناس حاجة إليها، رجل يؤثر الفضيلة والأخلاق على أعراض الحياة؛ ويؤمن إيماناً بالمثل العليا ولو جلبت له الفقر ولذويه الحاجة والحرمان ويذكرني هذا الرجل الذي قدمه لنا توفيق الحكيم في مسرحيته هذه وأعنى به (صالح بك زهدي) برجلين قدمهما لنا من قبل الكاتبان الشهيران: مولييرو هنريك إبسن، فقد قدم لنا الثاني (دكتور ستوكمان) وهذان الرجلان وصاحبهما الجديد (صالح بك زهدي) يقفون من الحياة موقفاً واحداً، ويتخذون صفات واحدة، وإذا عرفت أحدهم فقد استغنيت عن صاحبيه!
وليس في هذه المسرحية بناء مسرحي على الإطلاق وإنما هي حوار طويل جداً بين رجلين أستغرق في كتاب الأستاذ المؤلف اثنتي عشرة صفحة كاملة لا حركة خلالها، ولعل الأستاذ المؤلف قد استشعر الملل الذي استشعره النظارة، فأراد أن يكسر حدته بأية حركة، فأدخل الخادم بصينية القهوة بعد تسع صفحات كاملة! على أن المخرج مسئول عن ذلك أيضاً، فالمخرج ينبغي أن يكون أكثر إحساساً بعواطف الجمهور من المؤلف، والمخرج ليس آلة صماء في يد المؤلف، ولكنه متمم له يستدرك ما يفوته، ويكمل ما ينقصه. ولم يكن بطل هذه التمثيلية وأعني به (حمدي غيث) يمثل وإنما كان يخطب! وتلك النزعة إلى