الخطابة تلازمه كثيراً، ويبدو أنه يجد فيها نوعاً من التميز والتفرد والبروز على إخوانه، وأنا أرجو أن يحد من هذه النزعة المسيطرة عليه، وأن يلبس لكل حال لبوسها قبل أن يستحيل إلى يوسف وهبي آخر! وإن لم يستطع فليعتزل التمثيل إلى سواه. . .
وأما المسرحية الثانية (دنيا الوفاء) فتقوم على أزمة نفسية خطيرة ملأت قلب فتاة شابة هي (سهام). . . أزمة الرغبة الجامحة في القتل، رغبة (ليس باعثها الانتقام بل لا باعث لها على الإطلاق. إنها شهوة القتل لذاتها مجردة عن أي باعث) إن هذه الفتاة كما صورها المؤلف (فتاة تصوم وتصلي ويتمزق قلبها رحمة بالطفل البائس أبن الكناس فتصنع له بيدها ثوباً يكسو عريه، فتاة حسناء وديعة مثقفة، لا تطيق سماع مواء قطة جائعة. ولكنها مضطرة برغبة جامحة إلى أن تقتل شخصاً، وما تكاد تنفرد بخادم في المطبخ وفي يدها سكين حتى تلمع عيناها ببريق غريب وتهم بطعنه) هذه هي فتاة توفيق الحكيم. . فتاة يرثى لها ويشفق الإنسان عليها، فلما تسلمها منه الممثلون أحالوها فتاة مضحكة ترفه عن النظارة وتسرهم بما تأتي من حركات بهلوانية متكررة طويلة!
على أني أسأل الأستاذ المؤلف لماذا سكنت ثائرة الفتاة في النهاية مع أن القتل لم يتم؟ هل يكفي لتسكين هذه الثورة الجامحة أنها (اعتقدت أنها قتلت) كما يقول الأستاذ مع أنها تبينت الأشخاص الثلاثة الذين صوبت إليهم مسدسها فوجدتهم في سلام؟ وتبينت كذلك أن مسدسها كان محشوا بالبارود الذي لا يقتل؟ لو أن المؤلف جعل الفتاة تولي الأدبار عقب إطلاقها مسدسها مباشرة ودون أن تتبين شيئاً مما حدث لكان أدنى إلى المعقول وأقرب إلى منطق الأشياء، لأن الفتاة كانت تعتقد حقاً أنها قتلت
وآخذ على الأستاذ المؤلف أنه يفسر موقف الفتاة فيقول (آه. . لقد قتلوا فيك روح الحياة، فحل فيك حب الموت) وذلك بعد تمهيد مفتعل ليؤدي إلى هذا الكلام. وهذا التفسير اللفظي ليس من المسرح في شئ، فالمسرح تفسره الأفعال لا الأقوال كما يعلم الأستاذ، وإنما يحتاج إلى الكلام إذا لم تستطع (الأفعال) وحدها أن تقوم بالتفسير والإفهام!
وأما المسرحية الثالثة (دنيا الأعمال) فهي أدنى هذه المسرحيات إلى واقع الدنيا، وتقوم على صورة من الاتصالات غير الشريفة بين الشركات وبين رجال الحكومة الذين يسترون أعمال هذه الشركات في دور الحكومة نظير سهرات لطيفة، ورشاوى و (إكراميات)