يرون طالبا محمولا على الأعناق يكاد يخرج من جلده، وهو يصيح بسقوط الاستعمار. . وانتهى بزعامة جديدة تضاف إلى الزعامات القديمة. ومن هذا اليوم اشتهر الأستاذ (بهلول) وهذا اسمه، وعرفته المدينة ثائراً لا يهدأ، وخطيبا لا يسكت، وزعيما سياسيا لا يعجز عن حل المعضلات. وأنت تعلم تماما أن الزعماء يشقون طريقهم إلى المجد بالعرق والدموع، ولا يصلون إلى الصفوف الأولى إلا بعد أن يصبح النهار بسواد شعرهم، ولكنه - أي زعيم الطلبة - خرج هكذا فكان زعيماً زعيماً! مطبوعا قاد الطلاب في صباه، وحير البوليس بأساليبه وألاعيبه، ويقال: إن الزعيمينبغي أن يكون قوى الجسم، ضخم الجثة، ريان العود، حاد النظر، جهوري الصوت، حتى يسحر الجماهير. وأنا أعترف لك ولا أحلف بأن زعيم الطلبة حرم تلك الميزات، فقد كان نحيلا، ولو توكأ عليه طالب بالسنة الأولى الابتدائية لانهدم، وقميئا تقتحمه عيون الأطفال بلا مبالاة، وله عينان بارزتان في استحياء، وفم انفرج من كثرة الثرثرة والنداء، وله صوت لا يصلح للغناء، ومع هذا كله كان نشيطا سليطا يروع حفظه الأمن، لا يكل ولا يمل، فهوشعلة متقدة، تراه في ناد وبعد قليل في مقهى. واتسعت دائرة شهرته، فلا يقام حفل إلا كان من خطبائه، ولا يجتمع للتشاور جماعة إلا كان بينهم، وإذا تحدث إليك افاض في الحديث؛ فهو ملم بأخبار الكرة الأرضية دولة دولة وزعيماً زعيماً، ولا باس أن يحدثك عن الجان ويأجوج ومأجوج؛ لأنه يحب الثقافة العامة ولا يقف عند أمر من الأمور، وكان يقول: إن لكل شئ موضعاً.
وتوالت الأحداث - ولا أحداث هناك - وإذا بالأستاذ بهلول يصر على الثورة والتظاهر، وإذا بالبوليس يقف منه موقفا شاذاً، ولكنه لا يتراجع، ينتهي الأمر بالقبض عليه.
والقبض على زعيم الطلبة معناه الثورة، والثورة الجامحة الطامحة! وأضرب احتجاجا على إهانة زعيمهم، وسرعان ما أفرج عنه، واستقبلوه هاتفين وحملوه على الأعناق. ونظر إلى نفسه فداخله الغرور، أو قل إنها الثقة والطموح، وفكر في زعامته فوجد مدينته لا تصلح لها، وأنه في حاجة إلى أفق رحيب ومجال واسع، فلا يليق بعدما بلغ ما بلغ أن يستقر على حاله تلك فلينتقل إذن إلى العاصمة، في شوق إلى أمثاله.
ونظر إخوانه ذات يوم فلم يجدوا زعيمهم، وانتظروا أخباره، ولكنها بعدت حين يطول أو يقصر وصلت عه الأنباء عاطرة بذكره، تشيد بأعماله الكبار فقد دخل القاهرة دخول