للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- فلا غرابة في أن يذهب الشاعر الإيطالي دانتي إلى تصوير الرسول صلوات الله عليه هذا التصوير النابي لأنه - فيما يرى الشاعر - قد أرتكب جريمة الإتيان بدين زائف، وادعى أنه يطلع على الناس بتنزيل سماوي جاء بما لم تأت به المسيحية

على أنه منذ ظهرت ترجمتنا القرآن لأول مرة في القرن الثامن عشر - قرن التنوير في العلم والدين: ترجمة صال التي ظهرت سنة ١٧٣٤ وترجمة سافارى (١٧٨٢) بدأ الاعتدال يظهر على أقلام الكتاب بدء بأولئك المترجمين أنفسهم - وهم أقدر من يستطيع أن يفهم الإسلام في ذلك الحين بحكم توفرهم على ترجمة كتابه المنزل. فإن ثاني هذين الرجلين يرى أن محمداً أحد هؤلاء الرجال الخارقين للعادة الذين يظهرون بين الحين والحين على وجه الأرض يغيرون معتقدات أهلها ويجرونهم في عجلة انتصارهم. إن سافاري يرى في محمد مثلاً أعلى لما تنتجه العبقرية الإنسانية حين عالمياً جديداً ذا عقيدة سهلة مطابقة للعقل، ومبدأ غاية في البساطة واليسر: الإيمان بإله واحد يثيب المحسن ويعاقب المسيء

ونحا نحو سافاري في تقدير القرآن ونبيه الذي أنزل عليه كتاب أحرار لم يروا غضاضة في تمجيد دين لا يتعارض مع دينهم - منهم تيربان الذي يقول (في تاريخ حياة محمد - باريس١٧٧٣ - ) - وأن لم يخل من التحامل اللاذع عليه أحيانا - إنه رجل خارق للعادة. حبته الطبيعة بكل مزية يتزود بها الرجل الكامل، وبعبقرية يتمتع بها المحظوظون من الناس (الموعودون بالأرض)، ثم يقول: إن إخلاصه لرسالته لا نزاع فيه. وأنه قد أخلص الدين لله قبل أن يحمل أصحابه على الاعتقاد به.

وغالى بعض الغربيين في الانتصار لمحمد حتى ظن به الغرض وعدم البرء من الغاية؛ وقيل فعلا انه يرمي إلى إعلاء الإسلام على المسيحية؛ ومنه هؤلاء القليل من المنصفين دي بولانفلينيه (في كتابه: حياة محمد) الذي يصور فيه النبي العربي بصورة المشرع المستنير العاقل الذي جاء بدين حكيم يحل محل عقائد اليهودية والمسيحية، وكانت تلك قد أصبحت - فيما يقول بحق - لكثرة خلافاتها مشكوكاً فيها.

ولقد كانت هذه نظرة إلى محمد هي السائدة عموماً بين فلاسفة القرن الثامن عشر الذين لم يعودوا يقبلون التطرف في النظر إلى المصلحين من الرجال تطرف السابقين؛ كما لم يقبلوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>