للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تزييف أي دين من الأديان خوفاً منه على المسيحية. لهذا كان من العجيب أن يأتي فولتير. . . في هذا العصر ذاته الذي أتسم بطابع التسامح الديني - فيهاجم هؤلاء الكتاب المنصفين خصوصا صال ودي بولانفلييه قائلاً لها (في مقدمة مأساته عن: محمد سنة ١٧٤٢): لو إن محمداً قد ولد أميراً، أو لو أنه ولى السلطة باختيار، أمته إذن لوضع قوانين سليمة ولاستطاع أن يحمي بلاده من الأعداء، ولاستحق حينئذ التقدير.

تساعدها الظروف، وأنه - وقد ولد وثنياً! - فقد نشأ لا يعبد إلا إلهاً واحداً لأنه خلال أسفاره قد لاحظ انقسام المسيحيين وتفرقهم شيعاً نتبادل اللعنات. . . كما رأى اليهود حثالة تتشبث في عناد بقوانينها؛ فأراد محمد أن ينشئ ديناً

ويذهب فولتير في تهافت ظاهر إلى حد تجريح منصفي محمد فيقول أن الأصل التركي والإيمان بالخرافات قد أطفأ فيهما كل نور عقلي. لماذا؟ لأنه ما من أحد يستطيع أن يتولى الدفاع عن جمال يحدث ثورة، ويزعم أنه يتصل بجبريل وهو الذي يقتل الرجال ويسبى النساء ليدخلهن في دينه!

ويقول النقاد تخفيفا من ضلال فولتير: لا شك أن فولتير لم يرد أن يقول إن النقائض التي وصف بها بطل روايته موجودة كلها في محمد، وإنما كان للخيال عليه سلطان كبير وهو نفسه يعترف بذلك ويقول تمجيداً لمحمد: إن الرجل الذي يستطيع أن يحارب قومه قادر على كل شئ

ويقولون كذلك إنه قد عاود الكتابة في هذا الموضوع قصد التخفيف من سابق غلوائه وتعصبه، فأعترف بعظمة محمد ومواهبه.

على أن خطر فولتير يتمثل فيمن جاءوا بعده متأثرين به في تناول الموضوع، ولكن عادوا إلى الاستماع لصوت العقل في تساؤلهم: إن مائة وثمانين مليونا من البشر يدينون بهذا الدين مخلصين ويتأثرون محمدا في حياتهم، يحركهم كالنجوم في الأفلاك. وليس من المعقول أن يظن أن هؤلاء كلهم يعيشون ويموتون مجدوعين.

هذا قول نفسه الذي يعجب في بمحمد في استجابته لقانونه الذاتي وإخلاصه لمبدئه وثقته بنفسه وحقيقة وجوده وأصالة شخصيته وما وجه من أنظارنا إلى اللامتناهي واللامحدود؛ والذي يصرح بأن محمدا - نبيناً أو شاعراً - رجل غير عادي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>